الشوكاني والهبل وقصة المجموع:
  ومعاصره والذي كان يخاطبه في شعره مخاطبة الوالد لولده القاضي العالم المؤرخ الشاعر أحمد بن صالح ابن أبي الرجال قد حكى لنا في كتابه «مطلع البدور» عن سوء حظه ومحاربة الدهر له ما سبق أن سجلناه، وصديقه الحميم في الشعر والرأي والمذهب أحمد بن ناصر المخلافي جامع ديوانه، قد وصف لنا ما كان يعاني من هموم الفقر، والديون، حتى اخترمته المنية شهيد الغم والقهر والوشايات، وكل ذلك صريح واضح في مقدمة الديوان، وفي تقديماته لبعض قصائده، بل والشاعر نفسه قد أعرب عن كل ما يؤكد هذا. فقال في طويلته الدالية التي بعث بها إلى صديقه وجامع ديوانه (قصيدة رقم - ٢٥٨ -) في شهر شوال سنة ١٠٧٨ هـ - أي قبل وفاته بحوالي عام:
  على أنني قد صرت بعدك «أعجما» ... وإن كنتُ أزري لهجة «بزياد»
  لدهر رماني بالمصائب صرفه، ... وأضني فؤادي خطبه المتمادي
  أطال حروبي بالمضرات والأذى، ... ولا طول حرب الحارث بن عباد
  يحاول إهمالي وإسقاط رتبتي ... ويسعى حثيثاً في خمود زنادي،
  وثقل ديون للورى يا بن «ناصر» ... يراوحني همي بها ويُغادي،
  ملأن فؤادي بالأسى، وسلبنني ... رقادي، وملكن الرجال قيادي
  فأصبحت رهناً في «أزال» لأجلها ... وغير «أزال» بغيتي ومرادي،
  وإن كان فيها منشأي وولادتي ... ومسقط رأسي؛ فهي غير بلادي!
  وهي صرخة يأس مدوية لا يمكن أن تصدر من شخص تحسنت حالته، أو ارتفعت مكانته، وتصدى للقعود على دَست الوزارة كما يقول شيخ الإسلام الشوكاني ويمضي فيقول:
  وما بلدي إلا الذي فيه أغتدي ... وعرضي مصون عن مقال أعادي
  بلاد بها لا أختشي الذل إن غدت ... على الأحداث الزمان عوادي
  أأقعد في قوم أرى الشعر بينهم ... يباع ببخس ظاهر وكسادِ
  لنبهتهم بالمدح للجُودِ والندى، ... فتحسبني حركت صخرة وادي
  وحركتهم بالشعر في كل ساعةٍ ... وقد مُلِئَتْ أجفانهم برقاد