الشوكاني والهبل وقصة المجموع:
  إلى آخرها، ولو ذهبت أدلّل وأستكثر بالشواهد لأوردت في المقدمة هذه ثلث الديوان. وحسب القارئ أن يرجع إلى الباب الرابع والسادس من الديوان، غير أنه لا بد من التنويه بقصيدته الهمزية التي كتبها إلى صديقه الشاعر العالم السيد أحمد بن محمد الأنسي ولكنه أخرها ولم يطلع عليها الأنسي إلا بعد وفاة الهبل ومطلعها:
  أذن الندى عن نداء الشعر صماء ... فليس يجديك إنشاد وإنشاء و
  فيها سخرية لاذعةً، ونقد قارس للحكام البخلاء، وتحسر وأسى مثل قوله:
  و يا مرجى نوالاً؛ أنت في زمنٍ ... فيه المكارم والعلياء أسماء
  إياك إياك؛ أن تدلي بسابقةٍ ... فإن ذلك إن حققته الداء
  ولا تقلْ إن أردتَ النُّجْحَ قد قُتِلتْ ... أمامكم لي أجداد وآباء
  يُقْصَى المحب ويُدنَى من عقيدته: ... نصب، وجبر، وتشبيه، وإرجاء
  إلى آخرها وهي طويلة وذات مغاز بعيدة (قصيدة رقم - ١٠٥ -) ولو تأملها الشوكاني لعرف ما كان يكابده صاحبنا؛ بل لو تذكر أن ابن احمد الأنسي هذا الذي أراد الشاعر أن يبعث بهذه الهمزية إليه، قد كان مصيره السجن ثم الفرار إلى مكة حيث حاز قصبة السبق في مباراة شعرية، مع شعراء من سائر الأقطار العربية؛ ولما عاد إلى وطنه «جرت له خطوب كثيرة مع المهدي صاحب المواهب» ثم نفاه إلى جزيرة «زَيْلَع» حيث مات هناك سنة ١١١٩ هـ. (وانظر البدر الطالع ص - ٣٦ - ٣٧ - جـ، - ١ - للشوكاني نفسه).
  والذي سيتأمل ما ورد في الديوان سيعرف أن مثل الهبل لا يمكن أن ينجح بمبادئه في مثل زمنه، وإن مصيره كان سيزداد سوءاً لو عاش؛ ولاسيما وقد كبرت الانحرافات التي كان يتحسبها، ويحذر منها، ويدعو إلى محاربتها؛ على أن موقف الشوكاني من الهبل لن يكون واضحاً ما لم نشر إلى قضية غريبة أشار إليها في ترجمته للسيد يحيى بن الحسين بن المؤيد في الجزء الثاني من البدر الطالع ولم أجدها في سواه قال: «وله تلامذة نبلاء، منهم القاضي أحمد بن ناصر بن عبد الحق المخلافي والأديب أحمد بن محمد الأنسي المتقدم ذكره، وكذلك الشاعر المشهور الحسن بن علي ابن جابر الهبل، وكان (يعني السيد يحيى بن الحسين) متظاهراً بالرفض، وثلب