«الهبل» الزيدي الثائر المظلوم:
  ينهج نهج «الجاروديين»، ولأنه نشأ في بيئة فروسية وزهد وفي ظلال أسرة وجماعة يلتفون مع قبيلتهم حول» «الإمام القاسم بن محمد المنصور»، وكان لأبيه وعمه وغيرهم من أفراد أسرته الحظ الوافر من الجهاد والنضال ضد الأتراك والسلاطين و «الاقطاعيين» و «العملاء»، الذين كانوا يوالونهم في بعض الاصقاع اليمنية، والعمل باللسان والسنان لتكوين الدولة «القاسمية» التي ما إن توفي مؤسسها «القاسم» حتى تمكن أولاده «الحسين» و «الحسن» و «المؤيد» و «المتوكل: وحفيده «أحمد بن الحسن» ممدوح «الهبل»؛ والذي أصبح إماماً بعد وفاة شاعره وتلقب بالمهدي ... من رفع راية «اليمن الكبرى» على كل أقطارها، وأحاط البحر بدولتها من الشرق والغرب والجنوب. بل إن الشاعر نفسه قد شارك أميره أحمد بن الحسن «سيل الليل»، في بعض الحروب التي خاضها، ورافقه في قمع التمردات القبلية هنا وهناك، وحضر بعض المعارك، ووصفها وصفاً بديعاً كما فعل شاعر العربية الأول أبو الطيب المتنبي مع أميره سيف الدولة؛ وكان «الهبل» قد كتب على سيفه البتار هذين البيتين:
  أنا السيف لا تُختشى نبوتي ... إذا خشيت نبوة القاضبِ
  إلى «ذي الفقار» اعتزائي كما ... إلى «حيدر» يعتزي صاحبي
  وكأنه لتفانيه في حبّ «علي» سيد الفرسان لم يكتف بذلك، بل جعل سيفه «شيعياً» لسيف «علي» «ذي الفقار» وأنطقه بهذين البيتين الرائعين. وتلك البيئة «الزيدية» المتقشفة هي التي جعلته يمجد «الفتوة»، والصدق، والحق، والشجاعة، وسائر مكارم الأخلاق في شعره مادحاً، أو مفتخراً، أو متجرما، أو محرضاً. وبصراحة وعناد سبا له المتاعب والضنك في حياته، والجحود والمحاربة بعد مماته؛ بل وجعلته نفسه يشعر بالعزلة والوحشة والغربة في وطنه حتى مات قهراً وكمدا.
  لقد ظُلم الشاعر الهبل حيا وميتا؛ فإنّه؛ وهو العالم الذي قال «ابن أبي الرجال» إنه «اشتغل بالعلوم والآداب حتى بَرعَ على المَشْيَخَةِ القُرَّح، فضلاً عن الأتْراب»، قد اعتنق مذهب «الثورة» والخروج على الظلمة والمنحرفين، وألزم