لباب الأفكار في توضيح مبهمات الأزهار،

أحمد بن حسن أبو علي (معاصر)

(فصل) في تمييز دار الإسلام عن دار الكفر والكلام على الهجرة

صفحة 592 - الجزء 1

  (فَصْلٌ) وَدَارُ الْإِسْلَامِ مَا ظَهَرَ فِيهَا الشَّهَادَتَانِ وَالصَّلَاةُ وَلَمْ تَظْهَرْ فِيهَا خَصْلَةٌ كُفْرِيَّةٌ وَلَوْ تَأْوِيلاً إلَّا بِجِوَارٍ؛ وَإِلَّا فَدَارُ كُفْرٍ وَإِنْ ظَهَرَتَا فِيهَا خِلَافَ (م بِاللهِ)، وَتَجِبُ الْهِجْرَةُ عَنْهَا وَعَنْ دَارِ الْفِسْقِ إلَى خَلِيٍّ عَمَّا هَاجَرَ لِأَجْلِهِ أَوْ مَا فِيهِ دُونَهُ بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ؛ إِلَّا لِمَصْلَحَةٍ أَوْ عُذْرٍ، وَتَتَضَيَّقُ بِأَمْرِ الْإِمَامِ.


  عهده في ذلك كلِّه، والله أعلم وأحكم.

(فَصْلٌ) في تمييز دار الإسلام عن دار الكفر والكلام على الهجرة

  (وَدَارُ الْإِسْلَامِ) هي (مَا ظَهَرَ فِيهَا الشَّهَادَتَانِ وَالصَّلَاةُ) الخمسُ ولو من واحدٍ، والصيامُ والحجُّ والزكاةُ من غير ذمَّةٍ ولا جِوارٍ (وَلَمْ تَظْهَرْ فِيهَا خَصْلَةٌ كُفْرِيَّةٌ) من تكذيب نبيٍّ أو كتابٍ من أي كتب الله أو إلحادٍ أو استخفافٍ (وَلَوْ) كانت الخصلة كفراً (تَأْوِيلاً) وهي الذي يكون فيها من يعتقد أقوالاً تؤول إلى الكفر كالجبر والتشبيه ونحو ذلك فليست دار إسلامٍ (إلَّا) أن تظهر الخصلة الكفرية ولو تأويلاً (بِجِوَارٍ) والمراد بالجوار: الذمَّةُ والأمانُ من بعض من لهم الحكم من المسلمين في تلك البلاد، فمهما كان كذلك فهي دار إسلامٍ (وَإِلَّا) تكن كذلك (فَدَارُ كُفْرٍ وَإِنْ ظَهَرَتَا) أي الشهادتان والصلاة (فِيهَا) من دون جوارٍ من أهل الكفر، لكن ظهر فيها خصلةٌ كفريَّةٌ من غير جِوارٍ من المسلمين فإنَّها تصير دار كفر، وهذا هو المختار للمذهب (خِلَافَ م بِاللهِ) وأبي حنيفة، فإنهما يقولان إنَّها دارُ إسلامٍ إذا ظهرتا فيها من غير جِوارٍ وإن ظهر فيها خصلةٌ كفريَّةٌ من غير جِوارٍ.

  (وَتَجِبُ الْهِجْرَةُ عَنْهَا) أي عن دار الكفر إجماعاً حيث حُمِلَ على معصيةٍ، أو طلبها الإمام (وَعَنْ دَارِ الْفِسْقِ) وهي التي ظهرت فيها المعاصي من المسلمين من دون أن يتمكن المؤمن من إنكارها وتغييرها بالفعل، فتجب الهجرة عنها (إلَى) موضعٍ (خَلِيٍّ عَمَّا هَاجَرَ لِأَجْلِهِ) من المعاصي فيهاجر من دار الكفر إلى دار الإسلام، ومن دار الظلم إلى دار الإنصاف، وهكذا (أَوْ) إلى (مَا فِيهِ دُونَهُ) أي دون المعاصي والمنكرات التي هاجر بسببها، فبعضُ الشَّرِّ أهونُ من بعضٍ، وتلزمه الهجرة (بِنَفْسِهِ وَأَهْلِهِ) يعني زوجته وأولاده الصغار ومماليكه (إِلَّا) أن يكون وقوفه في أيِّهما (لِمَصْلَحَةٍ) يراها ويعود نفعها على الإسلام والمسلمين، كإرشاد ضَالٍّ ولو واحداً أو تعليم جاهلٍ أو دعاءٍ إلى نصرة الإمام والقيام معه ونحو ذلك (أَوْ) تترك الهجرة من أجل (عُذْرٍ) مرضٍ أو حبسٍ أو خوفِ سبيلٍ أو نحو ذلك لنص الآية.

  (وَتَتَضَيَّقُ) الهجرة (بِأَمْرِ الْإِمَامِ) بها فلا يجوز لأحدٍ الإقامة مع ذلك ولو لمصلحةٍ إلا بإذنه.