(فصل) في بيان ما يجب فعله بملك الغير لإزالة المنكر
  وَتُنْكَرُ غِيبَةُ مَنْ ظَاهِرُهُ السِّتْرُ، وَهِيَ أَنْ تَذْكُرَ الْغَائِبَ بِمَا فِيهِ لِنَقْصِهِ بِمَا لَا يَنْقُصُ دِينَهُ، قِيلَ أَوْ يَنْقُصُهُ، إلَّا إشَارَةً أَوْ جَرْحاً أَوْ شُكَاءً، وَيَعْتَذِرُ الْمُغْتَابُ إلَيْهِ إنْ عَلِمَ، وَيُؤْذِنُ مَنْ عَلِمَهَا بِالتَّوْبَةِ كَكُلِّ مَعْصِيَةٍ.
  (وَتُنْكَرُ غِيبَةُ مَنْ ظَاهِرُهُ السِّتْرُ) أو التبس حالُه حيّاً كان أو ميتاً (وَهِيَ) أي الغيبةُ (أَنْ تَذْكُرَ الْغَائِبَ بِمَا فِيهِ لِنَقْصِهِ بِمَا لَا يَنْقُصُ دِينَهُ) احترز بقوله: «بِمَا فِيْهِ» من أن يذكره بما ليس فيه فإنه بهتٌ وهو أغلظُ تحريماً، وبقوله: «لِنَقْصِهِ» من أن يذكره على جهة التعريف، حيث لا يمكن التعريفُ بغيره فيقول: ذلك الأعرج، أو الأعور، أو نحو ذلك، وبقوله: «بِمَا لَا يَنْقُصُ دِينَهُ» من ذكره بما ينقص دينه فإنه ليس بغيبةٍ؛ لأنه غيرُ محترم العرض إذا كانت المعصية التي يذكره بها توجب الفسق، أو كان مصرّاً عليها غير مقلعٍ ولا مستترٍ من فعلها فلا حرج في ذكره بها (قِيلَ) الإمام يحيى بن حمزة وغيره (أَوْ) كان الشيء الذي يُذْكَرُ به المستترُ بفسقه (يَنْقُصُهُ) أي ينقص دينه فلا يجوز ذكره به، والمختار للمذهب جوازُ ذلك (إلَّا إشَارَةً(١)) على مسلمٍ يخشى أن يثق به في شيءٍ من أموره (أَوْ) يذكره بما ينقص دينه عند الحاكم (جَرْحاً) له لئلا يحكمَ بشهادته فإنه لا يأثم بذلك (أَوْ) يذكره بذلك (شُكَاءً) على الغير ولو لم يرجُ إعانَتَه فيجوز له في هذه الثلاثة الأوجه ذكرُ الفاسق بما فيه لأجلها بلا خلافٍ، وكذا بقبح الخلقة إذا كان ينقص بذلك عند السامع (وَيَعْتَذِرُ الْمُغْتَابُ إلَيْهِ) أي إلى من اغتابه ولو في البريد، ولا يجب عليه أن يبين ما اغتابه به (إنْ) ظنَّ أنَّه قد (عَلِمَ) وإلَّا تابَ بينه وبين الله تعالى (وَيُؤْذِنُ) أي يُعْلِمُ فاعل الغيبة (مَنْ) حضر عند الإغتياب و (عَلِمَهَا بِالتَّوْبَةِ) دفعاً لاعتقادهم السوء فيه (كَكُلِّ مَعْصِيَةٍ) فَعَلَها واطَّلَعَ عليها غيرُه فإنه يجب عليه تعريفُ ذلك المطَّلِع بأنه قد تاب لينفي عن نفسه التهمة بالإصرار إلا أن يظهر من حاله الصّلَاحُ.
(١) هذا عائدٌ على القيل أو على أصلنا فيما لا يوجب الفسق ممن هو مستتر، تمت من حواشي شرح الأزهار.