تفسير القاضي عبد الجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[57] - قوله تعالى: {فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم 209}

صفحة 102 - الجزء 1

  والجهل، والعبث وأمثالها. واحتج القاضي على صحة قوله بأن لفظ النبيّين يفيد العموم والاستغراق، وحرف الفاء يفيد التراخي، فقوله: {فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ} يفيد أن بعثه جميع الأنبياء كانت متأخرة عن كون الناس أمة واحدة، فتلك الوحدة المتقدمة على بعثة جميع الشرائع لا بد وأن تكون وحدة في شرعه غير مستفادة من الأنبياء، فوجب أن تكون في شريعة مستفادة من العقل، وذلك ما بيّناه، وأيضا فالعلم بحسن شكر المنعم وطاعة الخالق والإحسان إلى الخلق، والعدل، مشترك فيه بين الكل، والعلم بقبح الكذب والظلم والجهل والعبث مشترك فيه بين الكل، فالأظهر أن الناس كانوا في أول الأمر على ذلك، ثم اختلفوا بعد ذلك لأسباب منفصلة. ثم سأل نفسه فقال: أليس أول الناس آدم # وأنه كان نبيّا، فكيف يصحّ إثبات الناس مكلفين قبل بعثة الرسل؟ وأجاب: بأنه يحتمل أنه # مع أولاده كانوا مجتمعين على التمسك بالشرائع العقلية أولا، ثم إن اللّه تعالى بعد ذلك بعثه إلى أولاده، ويحتمل أن بعد ذلك صار شرعه مندرسا، فالناس رجعوا إلى التمسك بالشرائع العقلية⁣(⁣١).

  ب - قوله: {وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ} فإن قيل: إنزال الكتاب يكون قبل وصول الأمر والنهي إلى المكلفين، ووصول الأمر والنهي إليهم يكون قبل التبشير والإنذار فلم قدم ذكر التبشير والإنذار على إنزال الكتب؟ أجاب القاضي عنه فقال: لأن الوعد والوعيد منهم قبل بيان الشرع ممكن فيما يتصل بالعقليات من المعرفة باللّه وترك الظلم وغيرهما، وعندي فيه وجه آخر وهو أن المكلف إنما يتحمل النظر في دلالة المعجز على الصدق وفي الفرق بين المعجز إذا خاف أنه لو لم ينظر فربما ترك الحق فيصير مستحقا للعقاب، والخوف إنما يقوى ويكمل عند التبشير والإنذار، فلا جرم وجب تقديم البشارة والنذارة على إنزال الكتاب في الذكر، ثم قال القاضي: ظاهر هذه الآية يدل على أنه لا نبي إلّا


(١) الرازي: التفسير الكبير ج ٦/ ١٦.