[8] - قوله تعالى: {إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون 24}
  عليه. وزاد القاضي فيه يجوز أن يضاف ذلك إليه تعالى من حيث إنه تعالى سخر لهم المركب في البر، وسخر لهم الأرض التي يتصرفون عليها بإمساكه لها، لأنه تعالى لو لم يفعل ذلك لتعذر عليهم السير(١).
[٨] - قوله تعالى: {إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ٢٤}
  واعلم أن تشبيه الحياة الدنيا بهذا النبات يحتمل وجوها لخصها القاضي ¦. الوجه الأول: أن عاقبة هذه الحياة الدنيا التي ينفقها المرء في باب الدنيا كعاقبة هذا النبات الذي حين عظم الرجاء في الانتفاع به وقع اليأس منه، لأن الغالب أن المتمسك بالدنيا إذا وضع عليها قلبه وعظمت رغبته فيها يأتيه الموت. وهو معنى قوله تعالى: {حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ ٤٤}[الأنعام: ٤٤] خاسرون الدنيا، وقد أنفقوا أعمارهم فيها، وخاسرون من الآخرة، مع أنهم متوجهون إليها. والوجه الثاني: في التشبيه أنه تعالى بين أنه كما لم يحصل لذلك الزرع عاقبة تحمد، فكذلك المغتر بالدنيا المحب لها لا يحصل له عاقبة تحمد. والوجه الثالث: أن يكون وجه التشبيه مثل قوله سبحانه: {وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً ٢٣}[الفرقان: ٢٣] فلما صار سعي هذا الزراع باطلا بسبب حدوث الأسباب المهلكة، فكذلك سعي المغتر بالدنيا. والوجه الرابع: أن مالك ذلك
(١) الرازي: التفسير الكبير ج ١٧/ ٦٩.