تفسير القاضي عبد الجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

7 - القاضي والحديث النبوي:

صفحة 18 - الجزء 1

  ذلك القاضي عبد الجبّار حيث اعتنى باللّغة في تفسيره، بل كان يقوّي ما يذهب إليه بدليل لغوي⁣(⁣١)، وبيّن فضيلة علم الإعراب في تفسيره للآية ٦٥ من سورة يونس⁣(⁣٢)، وفضّل ما تأوّل به ابن عباس في الآية ١٦ من سورة طه، على ما ذكره سلفه الأصفهاني المعتزلي من تفسير، وعلّل ذلك القاضي بأن «الضمير يجب عوده إلى أقرب المذكورين، وههنا الأقرب هو الساعة، وما قاله أبو مسلم (أي الأصفهاني) فإنما يصار إليه عند الضرورة، ولا ضرورة ههنا»⁣(⁣٣).

  وإذا كان «الوزير» في اللغة، يعني الذي رجع إليه ويتحصن برأيه، والوزر ما يعتصم به ومنه⁣(⁣٤)، فلذلك، ذهب القاضي في تأويله للآية ٣٥ من سورة الفرقان بأن اللّه تعالى «لا يوصف بأن له وزيرا، ولا يقال فيه أيضا بأنه وزير، لأن الالتجاء إليه في المشاورة والرأي على هذا الحدّ لا يصح»⁣(⁣٥).

٧ - القاضي والحديث النبوي:

  رفض القاضي ما ذهب إليه المفسرون، أن علّة احتباس الوحي عن النبي خمسة عشر يوما، وفي رواية أخرى أربعين يوما، هو عدم قوله : إن شاء اللّه تعالى، فطعن القاضي في هذا الكلام ودافع عن النبي ، بتحليل عقلي رصين، أكّد فيه على بطلان هذا الزعم، بل من البعيد جدا، أن يضرب النبي وعدا ولا يقل فيه: إن شاء اللّه⁣(⁣٦).

  وطعن القاضي بما روي عن النبي بأنّ اللّه تعالى قد أوجب خمسين صلاة، ثم إن محمدا لم يزل يتردد بين اللّه تعالى وبين موسى إلى أن عاد الخمسون إلى خمس بسبب شفقة موسى عليه الصلاة والسلام. رفض القاضي هذه الرواية فقال: «هذا يقتضي نسخ الحكم قبل حضوره، وأنه يوجب البداء، وذلك على اللّه تعالى محال، فثبت أن ذلك الحديث مشتمل على ما يجوز قبوله، فكان مردودا»⁣(⁣٧). وكذلك


(١) راجع هذا التفسير، سورة الأعراف، الآية ٥٠.

(٢) م. ن، سورة يونس، الآية ٦٥.

(٣) م. ن، سورة طه، الآية ١٦.

(٤) م. ن، سورة الفرقان، الآية ٣٥.

(٥) م. ن.

(٦) راجع هذا التفسير، سورة الكهف، الآية ٢٦.

(٧) م. ن، سورة الإسراء، الآية ١.