تفسير القاضي عبد الجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[8] - قوله تعالى: {أ لم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا 83}

صفحة 277 - الجزء 1

  قال القاضي: الآية دالة على قولنا في الوعيد، لأن اللّه تعالى بيّن أن الكل يردونها، ثم بيّن صفة من ينجو وهم المتقون، والفاسق لا يكون متقيا، ثم بيّن تعالى أن من عدا المتقين يذرهم فيها جثيا فثبت أن الفاسق يبقى في النار أبدا ...

  قال القاضي: وتدل الآية أيضا، على فساد قول من يقول: إن من المكلفين من لا يكون في الجنة ولا في النار⁣(⁣١).

[٨] - قوله تعالى: {أَ لَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ٨٣}

  قال القاضي: حقيقة اللفظ توجب أنه تعالى أرسل الشياطين إلى الكفار، كما أرسل الأنبياء بأن حملهم رسالة يؤدونها إليهم، فلا يجوز في تلك الرسالة إلّا ما أرسل عليه الشياطين من الإغواء، فكان يجب في الكفار أن يكونوا بقبولهم من الشياطين مطيعين، وذلك كفر من قائله، ولأن من العجب تعلق المجبرة بذلك، لأن عندهم أن ضلال الكفار من قبله تعالى، بأن خلق فيهم الكفر وقدر الكفر، فلا تأثير لما يكون من الشيطان، وإذا بطل حمل اللفظ في ظاهره، فلا بدّ من التأويل، فنحمله على أنه تعالى خلى بين الشياطين، وبين الكفار، وما منعهم من إغوائهم، وهذه التخلية تسمّى إرسالا في سعة اللغة، كما إذا لم يمنع الرجل كلبه من دخول بيت جيرانه، يقال: أرسل كلبه عليه، وإن لم يرد أذى الناس، وهذه التخلية وإن كان فيها تشديد للمحنة عليهم، فهم متمكنون من أن لا يقبلوا منهم، ويكون ثوابهم على ترك القبول أعظم، والدليل عليه قوله تعالى: {وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ}⁣[إبراهيم: ٢٢] هذا تمام كلامه⁣(⁣٢).


(١) م. ن ج ٢١/ ٢٤٥.

(٢) الرازي: التفسير الكبير ج ٢١/ ٢٥١.