تفسير القاضي عبد الجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[3] - قوله تعالى: {له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا أراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال 11}

صفحة 243 - الجزء 1

  وهو إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، ولما كان الغالب في أيام الرسول الفصاحة والبلاغة جعل معجزته ما كان لائقا بذلك الزمان وهو فصاحة القرآن، فلما كان العرب لم يؤمنوا بهذه المعجزة مع كونها أليق بطباعهم فبأن لا يؤمنوا عند إظهار سائر المعجزات أولى، فهذا هو الذي قرره القاضي، وهو الوجه الصحيح الذي يبقى الكلام معه منتظما⁣(⁣١).

[٣] - قوله تعالى: {لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ ١١}

  أ - أما قوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ} فكلام جميع المفسرين يدل على أن المراد لا يغيّر ما هم فيه من النعم بإنزال الانتقام إلّا بأن يكون منهم المعاصي والفساد. قال القاضي: والظاهر لا يحتمل إلّا هذا المعنى، لأنه لا شيء مما يفعله تعالى سوى العقاب إلّا وقد يبتدئ به في الدنيا من دون تغيير يصدر من العبد فيما تقدم، لأنه تعالى ابتدأ بالنعم دينا ودنيا، ويفضل في ذلك من شاء على من يشاء، فالمراد مما ذكره اللّه تعالى التغيير بالهلاك والعقاب⁣(⁣٢).

  ب - واحتجّ أبو علي الجبّائي، والقاضي بهذه الآية في مسألتين:

  المسألة الأولى: أنه تعالى لا يعاقب أطفال المشركين بذنوب آبائهم، لأنهم لم يغيّروا ما بأنفسهم من نعمة، فيغيّر اللّه حالهم من النعمة إلى العذاب.

  المسألة الثانية: قالوا: الآية تدل على بطلان قول المجبرة إنه تعالى يبتدئ العبد بالضلال والخذلان أول ما يبلغ، وذلك أعظم من العقاب، مع أنه ما كان


(١) م. ن ج ١٩/ ١٤ - ١٥.

(٢) الرازي: التفسير الكبير ج ١٩/ ١٨ و ١٩ (طبعة دار الكتب العلمية).