تفسير القاضي عبد الجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[19] - قوله تعالى: {أ لم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا 60}

صفحة 154 - الجزء 1

  فإن قيل: أليس أن طاعة الرسول هي طاعة اللّه، فما معنى هذا العطف؟ قلنا: قال القاضي: الفائدة في ذلك بيان الدلالتين، فالكتاب يدل على أمر اللّه، ثم نعلم منه أمر الرسول لا محالة، والسنة تدل على أمر الرسول، ثم نعلم منه أمر اللّه لا محالة، فثبت بما ذكرنا أن قوله: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} يدل على وجوب متابعة الكتاب والسنة⁣(⁣١).

[١٩] - قوله تعالى: {أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيداً ٦٠}

  قال القاضي: ويجب أن يكون التحاكم إلى هذا الطاغوت كالكفر، وعدم الرضا بحكم محمد عليه الصلاة والسلام كفر، ويدل عليه وجوه: الأول:

  أنه تعالى قال: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} فجعل التحاكم إلى الطاغوت يكون إيمانا به، ولا شك أن الإيمان بالطاغوت كفر باللّه، كما أن الكفر بالطاغوت إيمان باللّه. الثاني: قوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ} إلى قوله: {وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}⁣[النساء: ٦٥] وهذا نص في تكفير من لم يرض بحكم الرسول عليه الصلاة والسلام، الثالث قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ}⁣[النور: ٦٣] وهذا يدل على أن مخالفته معصية عظيمة⁣(⁣٢).

[٢٠] - قوله تعالى: {أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ


(١) م. ن ج ١٠/ ١٤٣.

(٢) الرازي: التفسير الكبير ج ١٠/ ١٥٥.