تفسير القاضي عبد الجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[7] - قوله تعالى: {قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون 29}

صفحة 185 - الجزء 1

  يُؤْمِنُونَ ٢٧}

  قال القاضي: معنى قوله: {جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} هو أنا حكمنا بأن الشيطان ولي لمن لا يؤمن، قال ومعنى قوله: {أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ} هو أنا خلينا بينهم وبينهم، كما يقال فيمن يربط الكلب في داره ولا يمنعه من التوثب على الداخل؛ إنه أرسل عليه كلبه⁣(⁣١).

[٧] - قوله تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ٢٩}

  قال الحسن ومجاهد: {كَما بَدَأَكُمْ} خلقكم في الدنيا ولم تكونوا شيئا، كذلك تعودون أحياء، فالقائلون بالقول الأول⁣(⁣٢): احتجوا على صحته بأنه تعالى ذكر عقيبه قوله: {فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ} وهذا يجري مجرى التفسير لقوله: {كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} وذلك يوجب ما قلناه. قال القاضي: هذا القول باطل، لأن أحدا لا يقول إنه تعالى بدأنا مؤمنين أو كافرين، لأنه لا بد في الإيمان والكفر أن يكون طارئا⁣(⁣٣).

[٨] - قوله تعالى: {فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ ٣٠}

  قالت المعتزلة: المراد فريقا هدى إلى الجنة والثواب، وفريقا حق عليهم الضلالة، أي العذاب والصرف عن طريق الثواب.

  قال القاضي: لأن هذا هو الذي يحق عليهم دون غيرهم، إذ العبد لا


(١) م. ن ج ١٤/ ٥٥.

(٢) القول الأول قاله ابن عباس. الرازي: التفسير الكبير ج ١٤/ ٥٩.

(٣) م. ن ج ١٤/ ٥٩.