[59] - قوله تعالى: {في الدنيا والآخرة ويسئلونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح ولو شاء الله لأعنتكم إن الله عزيز حكيم 220}
  أ - اختلفوا في أن لفظ (المشرك) على أقوال عدة ... وخامسها: ما احتجّ به أبو بكر الأصم فقال: كل من جحد رسالته فهو مشرك، من حيث إن تلك المعجزات التي ظهرت على يده كانت خارجة عن قدرة البشر، وكانوا منكرين صدورها عن اللّه تعالى، بل كانوا يضيفونها إلى الجن والشياطين، لأنهم كانوا يقولون فيها: إنها سحر وحصلت من الجن والشياطين، فالقوم قد أثبتوا شريكا للّه سبحانه في خلق هذه الأشياء الخارجة عن قدرة البشر، فوجب القطع بكونهم مشركين لأنه لا معنى للإله إلّا من كان قادرا على خلق هذه الأشياء، واعترض القاضي فقال: إنما يلزم هذا إذا سلم اليهودي أن ما ظهر على يد محمد ﷺ من الأمور الخارجة عن قدرة البشر، فعند ذلك إذا أضافه إلى غير اللّه تعالى كان مشركا، أما إذا أنكر ذلك وزعم أن ما ظهر على يد محمد ﷺ من جنس ما يقدر العباد عليه لم يلزم أن يكون مشركا بسبب ذلك إلى غير اللّه تعالى(١).
  ب - اعلم أن القائلين بأن اليهود والنصارى يندرجون تحت اسم المشرك اختلفوا على قولين، فقال قوم: وقوع هذا الاسم عليهم من حيث اللغة لما بينا أن اليهود والنصارى قائلون بالشرك، وقال الجبّائي، والقاضي: هذا الاسم من جملة الأسماء الشرعية، واحتجّا على ذلك بأنه قد تواتر النقل عن الرسول عليه الصلاة والسلام أنه كان يسمّي كل من كان كافرا بالمشرك، ومن كان في الكفار من لا يثبت إلها أصلا أو كان شاكا في وجوده، أو كان شاكا في وجود الشريك وقد كان فيهم من كان عند البعثة منكرا للبعث والقيامة، فلا جرم كان منكرا للبعثة والتكليف، وما كان يعبد شيئا من الأوثان، والذين كانوا يعبدون الأوثان فيهم من كانوا يقولون: إنها شركاء اللّه في الخلق وتدبير العالم، بل كانوا يقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه، فثبت أن الأكثرين منهم كانوا مقربين بأن إله العالم واحد، وأنه ليس له في الإلهية معين في خلق العالم وتدبيره وشريك ونظير.
(١) الرازي: التفسير الكبير ج ٦/ ٥٩ - ٦٠.