تفسير القاضي عبد الجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[4] - قوله تعالى: {قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار 13}

صفحة 128 - الجزء 1

  عن الحسن أنه قال: الشيطان زين لهم، وكان يحلف على ذلك باللّه، واحتجّ القاضي لهم بوجوه أحدها: أنه تعالى أطلق حب الشهوات، فيدخل فيه الشهوات المحرمة ومزين الشهوات المحرمة هو الشيطان. وثانيها: أنه تعالى ذكر القناطير المقنطرة من الذهب والفضة وحب هذا المال الكثير إلى هذا الحد لا يليق إلّا بمن جعل الدنيا قبلة طلبه، ومنتهى مقصوده، لأن أهل الآخرة يكتفون بالغلبة. وثالثها: قوله تعالى: {ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا} ولا شك أن اللّه تعالى ذكر ذلك في معرض الذم للدنيا والذم للشيء يمتنع أن يكون مزينا له.

  ورابعها: قوله بعد هذه الآية {قُلْ أَ أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذلِكُمْ}⁣[آل عمران: ١٥] والمقصود من هذا الكلام صرف العبد عن الدنيا وتقبيحها في عينه، وذلك لا يليق بمن يزين الدنيا في عينه⁣(⁣١).

  .. والقول الثالث: وهو اختيار أبي علي الجبّائي، والقاضي وهو التفصيل، وذلك أن كل ما كان من هذا الباب واجبا أو مندوبا كان التزيين فيه من اللّه تعالى، وكل ما كان حراما كان التزيين فيه من الشيطان هذا ما ذكره القاضي، وبقي قسم ثالث وهو المباح الذي لا يكون في فعله ولا في تركه ثواب ولا عقاب، والقاضي ما ذكر هذا القسم، وكان من حقه أن يذكره ويبيّن أن التزيّين فيه من اللّه تعالى، أو من الشيطان⁣(⁣٢).

  ب - ثم إنه تعالى لما عدد هذه السبعة قال: {ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا} قال القاضي: ومعلوم أن متاعها إنما خلق ليستمتع به فكيف يقال إنه لا يجوز إضافة التزيين إلى اللّه تعالى، ثم قال للاستمتاع بمتاع الدنيا وجوه: منها أن ينفرد به من خصه اللّه تعالى بهذه النعم فيكون مذموما، ومنها أن يترك الانتفاع به مع الحاجة إليه فيكون أيضا مذموما، ومنها أن ينتفع به في وجه مباح من غير أن


(١) الرازي: التفسير الكبير ج ٧/ ٢٠٩.

(٢) م. ن ج ٧/ ٢٠٩.