تفسير القاضي عبد الجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[12] - قوله تعالى: {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم 67}

صفحة 204 - الجزء 1

  الكفر، فإذا صرفوا هذه الأحوال إلى الفسق والكفر، فقد غيروا نعمة اللّه تعالى على أنفسهم، فلا جرم استحقوا تبديل النعم بالنقم والمنح بالمحن قال: وهذا من أوكد ما يدل على أنه تعالى لا يبتدئ أحدا بالعذاب والمضرة، والذي يفعله لا يكون إلا جزاء على معاص سلفت، ولو كان تعالى خلقهم وخلق جسمانهم وعقولهم ابتداء للنار كما يقوله القوم، لما صحّ ذلك⁣(⁣١).

[١١] - قوله تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ٦٣}

  قال القاضي: لولا ألطاف اللّه تعالى ساعة فساعة، لما حصلت هذه الأحوال، فأضيفت تلك المخالصة إلى اللّه تعالى على هذا التأويل، ونظيره أنه يضاف علم الولد وأدبه إلى أبيه، لأجل أنه لم يحصل ذلك إلّا بمعونة الأب وتربيته، فكذا ههنا⁣(⁣٢).

[١٢] - قوله تعالى: {ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ٦٧}

  واحتجّ الجبّائي والقاضي بهذه الآية على فساد قول من يقول: لا كائن من العبد إلّا واللّه يريده، لأن هذا الأسر وقع منهم على هذا الوجه، ونصّ اللّه أنه لا يريده، بل يريد منهم ما يؤدي إلى ثواب الآخرة، وهو الطاعة دون ما يكون فيه


(١) م. ن ج ١٥/ ١٨٢.

(٢) الرازي: التفسير الكبير ج ١٥/ ١٨٩.