[4] - قوله تعالى: {سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم 21}
  الكفر، ويخلق ذلك فيهم، ويقدره لهم تقديرا لا يقبل الزوال لم يصح هذا القول، فإن قيل: أليس أن ظاهره يدل على أنه تعالى يخرج من الظلمات إلى النور، فيجب أن يكون الإيمان من فعله؟ قلنا: لو أراد بهذا الإخراج خلق الإيمان فيه لم يكن لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ} معنى، لأنه سواء تقدم ذلك أو لم يتقدم، فخلقه لما خلقه لا يتغيّر، فالمراد إذن بذلك أنه يلطف بهم في إخراجهم {مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ} ولولا ذلك لم يكن بأن يصف نفسه بأنه يخرجهم من الظلمات إلى النور أولى من أن يصف نفسه بأنه يخرجهم من النور إلى الظلمات(١).
[٤] - قوله تعالى: {سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ٢١}
  زعم جمهور أصحابنا أن نعيم الجنة تفضّل محض لا أنه مستحق بالعمل، وهذا أيضا قول الكعبي من المعتزلة، واحتجوا على صحة هذا المذهب بهذه الآية، أجاب القاضي عنه فقال: هذا إنما يلزم لو امتنع بين كون الجنة مستحقة وبين كونها فضلا من اللّه تعالى، فأما إذا صحّ اجتماع الصفتين فلا يصحّ هذا الاستدلال، وإنما قلنا إنه لا منافاة بين هذين الوصفين، لأنه تعالى هو المتفضل بالأمور التي يتمكن المكلف معها من كسب هذا الاستحقاق، فلما كان تعالى متفضلا بما يكسب أسباب هذا الاستحقاق كان متفضلا بها، قال: ولما ثبت هذا، ثبت أن قوله: {يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ} لا بدّ وأن يكون مشروطا بمن يستحقه، ولولا ذلك لم يكن لقوله من قبل: {سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} معنى(٢).
(١) الرازي: التفسير الكبير ج ٢٩/ ٢١٨.
(٢) الرازي: التفسير الكبير ج ٢٩/ ٢٣٧.