[33] - قوله تعالى: {ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروا الله شيئا يريد الله ألا يجعل لهم حظا في الآخرة ولهم عذاب عظيم 176}
  المشركون على المسلمين دعا النبي ﷺ أصحابه إلى أن يحملوا على المشركين، ففعله بعضهم وتركه آخرون. فقال: {أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ} وهم الذين امتثلوا أمره {كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ} وهم الذين لم يقبلوا قوله، وقال القاضي:
  كل واحد من هذه الوجوه صحيح، ولكن لا يجوز قصر اللفظ عليه {أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ} وكل من أخلد إلى متابعة النفس والشهوة فهو داخل تحت قوله:
  {كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ} أقصى ما في الباب أن الآية نازلة في واقعة معينة، لكنك تعلم أن عموم اللفظ لا يبطل لأجل خصوص السبب(١).
[٣٣] - قوله تعالى: {وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ ١٧٦}
  أ - قال القاضي: ويمكن أن يقوي هذا الوجه(٢) بأمور: الأول: أن المستمر على الكفر لا يوصف بأنه يسارع في الكفر، وإنما يوصف بذلك من يكفر بعد الإيمان. الثاني: أن إرادته تعالى أن لا يجعل لهم حظا في الآخرة لا يليق إلّا بمن قد آمن، فاستوجب ذلك، ثم أحبط. الثالث: أن الحزن إنما يكون على فوات أمر مقصود، فلما قدر النبي ﷺ الانتفاع بإيمانهم، ثم كفروا
(١) الرازي: التفسير الكبير ج ٩/ ٧٤.
(٢) الوجه المقصود: أنها نزلت في المنافقين، ومسارعتهم هي أنهم كانوا يخوفون المؤمنين بسبب وقعة أحد ويؤيسونهم من النصرة والظفر، أو بسبب أنهم كانوا يقولون إن محمدا طالب ملك، فتارة يكون الأمر له، وتارة عليه، ولو كان رسولا من عند اللّه ما غلب، وهذا كان ينفر المسلمين عن الإسلام، فكان الرسول يحزن بسببه. قال بعضهم: إن قوما من الكفار أسلموا ثم ارتدوا خوفا من قريش فوقع الغم في قلب الرسول ﷺ بذلك السبب، فإنه # ظن أنهم بسبب تلك الردة يلحقون به مضرة. فبين اللّه أن ردتهم لا تؤثر في لحوق ضرر بك.