تفسير القاضي عبد الجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[8] - قوله تعالى: {والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم 39}

صفحة 167 - الجزء 1

  قالوا إنه تعالى بعد توفير العوض عليها يجعلها ترابا، وعند هذا يقول الكافر: يا ليتني كنت ترابا. قال أبو القاسم البلخي: يجب أن يكون العوض دائما واحتجّ القاضي على قوله بأنه يحسن من الواحد منا أن يلتزم عملا شاقا والأجرة منقطعة، فعلمنا أن إيصال الألم إلى الغير غير مشروط بدوام الأجرة، واحتجّ البلخي على قوله، بأن قال: إنه لا يمكن قطع ذلك العوض إلّا بإماتة تلك البهيمة، وإماتتها لوجب الألم وذلك الألم يوجب عوضا آخر، وهكذا إلى ما لا آخر له.

  والجواب عنه: ...

  الفرع الخامس: أن البهيمة إذا استحقت على بهيمة أخرى عوضا، فإن كانت البهيمة الظالمة قد استحقت عوضا على اللّه تعالى، فإنه تعالى ينقل ذلك العوض إلى المظلوم، وإن لم يكن الأمر كذلك، فاللّه تعالى يكمل ذلك العوض، فهذا مختصر من أحكام العوض على قول المعتزلة، واللّه أعلم⁣(⁣١).

[٨] - قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ٣٩}

  ثم قال تعالى: {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ} وهو صريح في أن الهدى والضلال ليسا إلّا من اللّه تعالى. قالت المعتزلة:

  الجواب عن هذا من وجوه: الوجه الأول: قال الجبّائي معناه أنه تعالى يجعلهم صما وبكما يوم القيامة عند الحشر. ويكونون كذلك في الحقيقة بأن يجعلهم في الآخرة صما وبكما في الظلمات، ويضلهم بذلك عن الجنة وعن طريقها ويصيرهم إلى النار، وأكد القاضي هذا القول بأنه تعالى بيّن في سائر الآيات أنه


(١) الرازي: التفسير الكبير ج ١٢/ ٢٢٠.