تفسير القاضي عبد الجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[22] - قوله تعالى: {قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ 104}

صفحة 174 - الجزء 1

  أو في حكم المقابل واللّه تعالى ليس كذلك، فوجب أن تمتنع رؤيته. والحجة الثالثة: قال القاضي: ويقال لهم كيف يراه أهل الجنة دون أهل النار؟ إما أن يقرب منهم أو يقابلهم فيكون حالهم معه بخلاف أهل النار وهذا يوجب أنه جسم يجوز عليه القرب والبعد والحجاب. والحجة الرابعة: قال القاضي: إن قلتم إن أهل الجنة يرونه في كل حال حتى عند الجماع وغيره فهو باطل، أو يرونه في حال دون حال وهذا أيضا باطل، لأن ذلك يوجب أنه تعالى مرة يقرب وأخرى يبعد.⁣(⁣١).

[٢٢] - قوله تعالى: {قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ ١٠٤}

  في الآية مسائل: ... المسألة الثانية: في أحكام هذه الآية، وهي أربعة ذكرها القاضي: فالأول: الغرض بهذه البصائر أن ينتفع بها اختيارا استحق بها الثواب لا أن يحمل عليها أو يلجأ إليها، لأن ذلك يبطل هذا الغرض. والثاني:

  أنه تعالى إنما دلنا وبين لنا منافع، وأغراض المنافع تعود إلينا لا لمنافع تعود إلى اللّه تعالى. والثالث: أن المرء بعدوله عن النظر والتدبر يضر بنفسه، ولم يؤت إلّا من قبله لا من قبل ربه. والرابع: أنه متمكن من الأمرين، فلذك قال: {فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها} قال: وفيه إبطال قول المجبرة في المخلوق، وفي أنه تعالى يكلّف بلا قدرة⁣(⁣٢).

[٢٣] - قوله تعالى: {وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ١٠٥}

  قال الجبّائي، والقاضي: وليس فيه إلّا أحد وجهين: الأول: أن يحمل


(١) م. ن ج ١٣/ ١٣٠.

(٢) الرازي: التفسير الكبير ج ١٣/ ١٣٥.