[28] - قوله تعالى: {وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين 133}
  على لسان سبعين نبيا، منهم نبينا ﷺ. فإذا كان يوم القيامة نادى مناد، وقد جمع الناس بحيث يسمع الكل أين خصماء اللّه، فتقوم القدرية وقد أورد القاضي هذا الحديث في تفسيره وقال: هذا الحديث من أقوى ما يدل على أن القدرية هم الذين ينسبون أفعال العباد إلى اللّه تعالى قضاء وقدرا وخلقا، لأن الذين يقولون هذا القول، هم خصماء اللّه، لأنهم يقولون للّه أي ذنب لنا حتى تعاقبنا، وأنت الذي خلقته فينا وإرادته منا، وقضيته علينا، ولم تخلقنا إلّا له، وما يسرت لنا غيره، فهؤلاء لا بد وأن يكونوا خصماء اللّه بسبب هذه الحجة أما الذين قالوا: إن اللّه مكن وأزاح العلة، وإنما أتى العبد من قبل نفسه، فكلامه موافق لما يعامل به من إنزال العقوبة، فلا يكونون خصماء اللّه، بل يكونون منقادين للّه، هذا كلام القاضي(١).
[٢٨] - قوله تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ ما يَشاءُ كَما أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ ١٣٣}
  وأما قوله {ما يَشاءُ} فالمراد منه خلق ثالث ورابع، واختلفوا فقال بعضهم: خلقا آخر من أمثال الجن والإنس يكونون أطوع، وقال أبو مسلم:
  بل المراد أنه قادر على أن يخلق خلقا ثالثا مخالفا للجن والإنس، قال القاضي:
  وهذا الوجه أقرب لأن القوم يعلمون بالعادة أنه تعالى قادر على إنشاء أمثال هذا الخلق فمتى حمل على خلق ثالث ورابع يكون أقوى في دلالة القدرة، فكأنه تعالى نبه على أن قدرته ليست مقصورة على جنس دون جنس من الخلق الذين يصلحون لرحمته العظيمة التي هي النواب، فبين بهذا الطريق أنه تعالى لرحمته لهؤلاء القوم الحاضرين أبقاهم وأمهلهم ولو شاء لأمهلهم وأفناهم وأبدل بهم
(١) م. ن ج ١٣/ ١٨٥.