تفسير القاضي عبد الجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

[13] - قوله تعالى: {ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين 50}

صفحة 188 - الجزء 1

  وطعن الجبّائي، والقاضي في هذا القول⁣(⁣١). واحتجوا على فساده بوجهين: الأول: أن قالوا أن قوله تعالى: {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}⁣[الأعراف: ٤٣] يدل على أن كل من دخل الجنة فإنه لا بدّ وأن يكون مستحقا لدخولها، وذلك يمنع من القول بوجود أقوام لا يستحقون الجنة ولا النار، ثم إنهم يدخلون الجنة بمحض التفضل لا بسبب الاستحقاق.

  وثانيهما: إن كونهم من أصحاب الأعراف يدل على أنه تعالى ميزهم من جميع أهل القيامة بأن أجلسهم على الأماكن العالية المشرفة على أهل الجنة، وأهل النار، وذلك تشريف عظيم، ومثل هذا التشريف لا يليق إلّا بالإشراف ولا شك أن الذين تساوت حسناتهم وسيئاتهم فدرجتهم قاصرة، فلا يليق بهم ذلك التشريف⁣(⁣٢).

[١٣] - قوله تعالى: {وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ ٥٠}

  فإن قيل: اسألوا مع الرجاء، والجواز، ومع اليأس؟ قلنا: ما حكيناه عن ابن عباس يدل على أنهم طلبوا الماء مع جواز الحصول. وقال القاضي: بل مع اليأس، لأنهم قد عرفوا دوام عقابهم وأنه لا يفتر عنهم، ولكن الآيس من


(١) ... والقول الثاني: وهو قول من يقول أصحاب الأعراف أقوام يكونون في الدرجة النازلة من أهل الثواب والقائلون بهذا القول ذكروا وجوها: أحدها: أنهم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم فلا جرم ما كانوا من أهل الجنة ولا من أهل النار فأوقفهم اللّه تعالى على هذه الأعراف لكونها درجة متوسطة بين الجنة وبين النار. ثم يدخلهم اللّه تعالى الجنة بفضله ورحمته وهم آخر قوم يدخلون الجنة، وهذا قول حذيفة وابن مسعود ® واختيار الفرّاء.

(٢) م. ن ج ١٤/ ٨٩ - ٩٠.