[18] - قوله تعالى: {ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين 75}
  بقتله عند رجوعه من تبوك وهم خمسة عشر تعاهدوا أن يدفعوه عن راحلته إلى الوادي إذا تسنم العقبة بالليل، وكان عمار بن ياسر آخذا بالخطام على راحلته وحذيفة خلفها يسوقها، فسمع حذيفة وقع أخفاف الإبل وقعقعة السلاح، فالتفت، فإذا متلثمون، فقال: إليكم إليكم يا أعداء اللّه، فهربوا. والظاهر أنهم لما اجتمعوا لذلك الغرض، فقد طعنوا في نبوته ونسبوه إلى الكذب والتصنع في ادعاء الرسالة، وذلك هو قول كلمة الكفر، وهذا القول اختيار الزجاج(١).
[١٨] - قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ ٧٥}
  قوله: {لَنَصَّدَّقَنَّ} المراد منه إخراج مال، ثم إن إخراج المال على قسمين: قد يكون واجبا، وقد يكون غير واجب. والواجب قسمان: قسم وجب بإلزام الشرع ابتداء، كإخراج الزكاة الواجبة، وإخراج النفقات الواجبة، وقسم لم يجب إلّا إذا التزمه العبد من عند نفسه مثل النذور. إذا عرفت هذه الأقسام الثلاثة، فقوله: {لَنَصَّدَّقَنَّ} هل يتناول الأقسام الثلاثة، أوليس الأمر كذلك؟ والجواب: قلنا أما الصدقات التي لا تكون واجبة، فغير داخلة تحت هذه الآية، والدليل عليه أنه تعالى وصفه بقوله: {بَخِلُوا بِهِ} والبخل في عرف الشرع عبارة عن منع الواجب، وأيضا أنه تعالى ذمهم بهذا الترك وتارك المندوب لا يستحق الذم. وأما القسمان الباقيان، فالذي يجب بإلزام الشرع داخل تحت الآية لا محالة، وهو مثل الزكوات والمال الذي يحتاج إلى إنفاقه في طريق الحج والغزو، والمال الذي يحتاج إليه في النفقات الواجبة. بقي أن يقال: هل تدل هذه الآية على أن ذلك القائل، كان قد التزم إخراج مال على سبيل النذر؟
  والأظهر أن اللفظ لا يدل عليه، لأن المذكور في اللفظ ليس إلّا قوله: {لَئِنْ
(١) الرازي: التفسير الكبير ج ١٦/ ١٣٧.