تفسير القاضي عبد الجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

تقديم

صفحة 4 - الجزء 1

  والقاضي لا يهتمّ بذلك، بل يركّز على توليد المعاني والوجوه، وعلى عرض آراء أبي هاشم ووالده. وقد أثّر ذلك ولا شكّ في مدى الاقتباس منه وعنه.

  وهكذا يمكن القول إنّ أعمال القاضي عبد الجبار الكلامية وفي التفسير تتميز بأمرين: عرض آراء المذهب المعتزلي كما استقرّ أو تطور على يدي الجبائيين. والردّ على الآراء الأخرى في المدرستين المعتزليتين، دونما اهتمام كبير بآراء الخصوم، الذين لا يرى القاضي أنهم يستحقّون الاعتبار. ويقتصر تجديده أو إنجازه على توليد بعض الوجوه الجديدة والاحتمالات العقلية. ولذلك فإنّ الحاكم الجشمي والزمخشري ما أخذا كثيرا عنه، لأنّ المصادر المعتزلية كانت بين يديهما، ولأنهما مثل الرّماني مهتمان باللغة القرآنية، وهو ما لا يهتمّ له القاضي عبد الجبار.

  فهل يعني هذا أنّ تفسير القاضي عبد الجبار مخيّب أو عادي رغم شهرته؟

  ليس هذا ما نعنيه، بل المقصود أنّ الرجل ليس صاحب مذهب في التفسير، بل هو متكلّم، ولا يهتمّ إلّا للقضايا العقلية والكلامية في التفسير. ولأنّ تفاسير الجبائيّين ضاعت، فهو مفيد أيضا في تفهّم آرائهما في التفسير، والتي يبدو أيضا (كما يظهر من جمع د. خضر نبها لتفسير الجبائي) أنها كانت كذلك أيضا.

  ومع ظهور تفسير عبد الجبار هذا، تكون دائرة التفسير الاعتزالي، التي اهتمّ بها الدكتور خضر نبها قد اكتملت. وقد أفادتنا إفادات جلّى في ثلاثة أمور: بيان الاتجاه المعتزلي العامّ في التفسير وهو ما لم يكن متوافرا من قبل. وإيضاح التداخل لا الافتراق بين المفسّرين من شتّى المذاهب الكلامية والفقهية. وأخيرا إمكان التعرف على تقاليد كبرى في تأويل القرآن، كان المستشرق إغنتس غولدزيهر قد حدّدها قبل مائة عام على وجه التقريب.

  وباللّه التوفيق