تفسير القاضي عبد الجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

8 - منهج القاضي في التفسير:

صفحة 21 - الجزء 1

  خلاف ظاهره، فمثلا، في تفسيره لقوله تعالى: {سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ} ذهب البعض أن الجلود هي السرابيل، وتجديد الجلود إنما هو تجديد السرابيل، فطعن القاضي في هذا التفسير، لأنه ترك للظاهر، ولسبب آخر، هو أن السرابيل من القطران لا توصف بالنضج، وإنما توصف بالاحتراق⁣(⁣١).

  ومرة أخرى، أكّد القاضي أن «ظاهر القرآن يدل على أن المراد من قوله {وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي} الحفظ والحياطة كقوله تعالى: {تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلا تَحْزَنَ} فصار ذلك كالتفسير لحياطة اللّه تعالى له»⁣(⁣٢). ورفض القاضي أن يكون آدم قد قبل الوسوسة من الشيطان، وعلّل ذلك بأن ليس في الظاهر أن آدم قبل ذلك منه ... (⁣٣).

  وأكد القاضي على رفض ترك الظاهر من غير ضرورة، فلذلك طعن القاضي في تأويل الجبّائي، بأن فسّر الحجارة بالبرد في قوله تعالى في الآية ٧٤ من سورة البقرة، فقال القاضي: «هذا التأويل ترك للظاهر من غير ضرورة، لأن البرد لا يوصف بالحجارة، لأنه وإن اشتد عند النزول فهو ماء في الحقيقة، ولأنه لا يليق ذلك بالتسمية»⁣(⁣٤).

  وشدّد القاضي بأن ما ذهب إليه المفسرون في تفسير قوله تعالى في الآية ٦٤ من سورة مريم هو مخالف للظاهر، واستدلّ على ذلك بثلاثة أدلة⁣(⁣٥)، ومرة أخرى، يوافق القاضي على ما ذهب إليه المفسرون في تفسير الآية ١١ من سورة الرعد، «لأن الظاهر لا يحتمل إلّا هذا المعنى» من كلام المفسرين، على حدّ تعبير القاضي⁣(⁣٦).

  وأما التأويل، فإن القاضي صرّح بأن التأويل لا نلجأ إليه إلّا عند بطلان حمل اللفظ على ظاهره⁣(⁣٧)، فمثلا: ففي تفسيره لقوله تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ} رفض


(١) راجع هذا التفسير، سورة النساء، الآية ٥٦.

(٢) م. ن، سورة طه، الآية ٣٩.

(٣) م. ن، سورة طه، الآية ١٢٠.

(٤) م. ن، سورة البقرة، الآية ٧٤ (الفقرة ب).

(٥) راجع هذا التفسير، سورة مريم، الآية ٦٤.

(٦) الرازي: التفسير الكبير ج ١٩/ ١٨.

(٧) م. ن، سورة مريم، الآية ٨٣.