تفسير القاضي عبد الجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

8 - منهج القاضي في التفسير:

صفحة 22 - الجزء 1

  القاضي أن تحمل هذه الآية على ظاهرها، وبأن يكون سبحانه وتعالى خالق لأعمال العباد، وبرّر ذلك القاضي بعدة وجوه، وبعد أن ذكر هذه الوجوه قال القاضي ما نصّه: «فثبت بهذه الوجوه أنه لا بدّ من التأويل لو دلت الآية بظاهرها عليه، فكيف ولا دلالة فيها البتة ...»⁣(⁣١). وذهب القاضي إلى ضرورة التأويل في الآية ١٢ من سورة المؤمنون⁣(⁣٢)، والآية ٦٩ من سورة النساء⁣(⁣٣)، وكذلك ففي تفسيره للآية ١٥ من سورة الليل، أكد القاضي على عدم إمكانية إجراء هذه الآية على ظاهرها، واستدلّ على ذلك بعدة وجوه⁣(⁣٤).

  إذن، نفهم من كل هذا، أن القاضي أكد على ضرورة حمل النص القرآني على الظاهر أولا، وفي حال العذر نلجأ إلى التأويل.

  ب - وأما المنهج الثاني في تفسير القاضي فهو ضرورة حمل الآية على المعنى الشرعي لا المعنى اللّغوي، ويظهر ذلك في الآية ٢٢٢ من سورة البقرة، حيث ذهب أبو مسلم الأصفهاني المعتزلي (ت ٣٢٢ هـ)، إلى «أن (التوبة) في اللّغة عبارة عن الرجوع، ورجوع العبد إلى اللّه تعالى في كل الأحوال محمود». فاعترض القاضي على هذا الكلام، فقال ما نصّه: «(التوبة)» وإن كانت في أصل اللغة عبارة عن الرجوع، إلّا «أنها في عرف الشرع عبارة عن الندم على ما فعل في الماضي، والترك في الحاضر، والعزم على أن لا يفعل مثله في المستقبل، فوجب حمله على هذا المعنى الشرعي دون المفهوم اللغوي»⁣(⁣٥).

  ج - وأما المنهج الثالث عند القاضي فهو إذا أمكن حمل الآية على معنى من غير إثبات النسخ كان أولى، فلذلك رفض القاضي ما روي عن معاذ، وعطاء، وابن عباس بأن قوله تعالى: {أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ} أنها غير شهر رمضان، وكانت ثلاثة أيام من كل شهر ثم نسخ بصوم شهر رمضان⁣(⁣٦)، فطعن القاضي


(١) م. ن، سورة الفرقان، الآية ٢.

(٢) م. ن، سورة المؤمنون، الآيتان، ١١ و ١٢.

(٣) م. ن، سورة النساء، الآية ٦٩.

(٤) م. ن، سورة الليل، الآية ١٥.

(٥) راجع هذا التفسير، سورة البقرة، الآية ٢٢٢.

(٦) الطبرسي: مجمع البيان، المجلد الثاني، ص ٤٩٣، طبعة دار المعرفة، ط ٦.