ب - الرازي والقاضي عبد الجبار:
  الرازي نفسه قد صرّح في آخر سورة آل عمران من تفسيره، بأنه قد أتمّ تفسيرها يوم الخميس، من أول ربيع الآخر، سنة (٥٩٥ هـ)(١)، وتجاهل التأريخ لسورتي الفاتحة والبقرة. وأما آخر سورة يصرّح الرازي بسنة تمام تفسيرها، فهي سورة الفتح، فيقول الرازي بأنه تمّ تفسير هذه السورة يوم الخميس، ١٧ من شهر ذي الحجّة، سنة (٦٠٣ هـ)(٢)، أي قبل ثلاثة أعوام من سنة وفاته، لأن الرازي كما هو مشهور توفي سنة (٦٠٦ هـ)(٣).
  ولكن، بعد سورة الفتح هذه، وحسب تفسير الرازي المطبوع والمتوفر بين أيدينا(٤)، نجد أن الرازي قد فسّر بعدها (٦٦) سورة دون أن يؤرّخ سنة الانتهاء من تفسيرها، بل نجد أن سورة الأحقاف قد أنهى تفسيرها بعد ثلاثة أيام من سورة الفتح أي في ٢٠ ذي الحجّة من سنة (٦٠٣ هـ)، ولكنها وردت في التفسير المطبوع قبل سورة الفتح، ولكنها قبل سورة الفتح في التسلسل المشهور للسور القرآنية، وهذا يعني أن الرازي لم يلتزم بتفسير القرآن حسب تسلسل السور المعهود، بل كان يفسّر ما تيسّر له من السور دون أي إلزام تراتبي.
  وما يؤكد ذلك أن الرازي بعد انتهائه من تفسير الأعراف، وشروعه في أول محرم من سنة ٦٠١ هـ بإتمام تفسيره نجده بدلا من أن يبدأ في هذا الشهر بتفسير سورة الأنفال، التي تأتي مباشرة بعد سورة الأعراف، نراه يبدأ بتفسير
(١) الرازي: التفسير الكبير ج ٩/ ١٢٧.
(٢) م. ن، ج ٢٨/ ٩٤.
(٣) يقال: توفي مسموما على يد الكرّامية بعد أن بيّن خطأهم، فتوصلوا إلى إطعامه السمّ فهلك. راجع مقدمة التفسير الكبير ج ١/ ١٠.
(٤) هي الطبعة الصادرة عن دار الكتب العلمية، لبنان، ط ٢، سنة ٢٠٠٤ م، وهي الطبعة التي نعتمدها في كل إرجاعاتنا عن الرازي في هذا المبحث.