تفسير القاضي عبد الجبار،

القاضي عبدالجبار الهمذاني (المتوفى: 415 هـ)

سورة البقرة

صفحة 81 - الجزء 1

  ولا مشترك ههنا إلا كوننا قادرين بالقدرة، وإذا ثبت هذا وجب فيمن كان قادرا بالقدرة أن يتعذر عليه فعل الجسم والحياة، الثاني: أن هذه القدرة التي لنا لا شك أن بعضها يخالف بعضا، فلو قدرنا قدرة صالحة لخلق الجسم والحياة، لم تكن مخالفتها لهذه القدرة أشد من مخالفة بعض هذه القدرة للبعض، فلو كفى ذلك القدر من المخالفة في صلاحيتها لخلق الجسم والحياة، لوجب في هذه القدرة أن يخالف بعضها بعضا وأن تكون صالحة لخلق الجسم والحياة، ولما لم يكن كذلك علمنا أن القادر بالقدرة لا يقدر على خلق الجسم والحياة.

  ثانيها: أنا لو جوزنا ذلك لتعذر الاستدلال بالمعجزات على النبوات، لأنا لو جوزنا استحداث الخوارق بواسطة تمزيج القوى السموية بالقوى الأرضية لم يمكنا القطع بأن هذه الخوارق التي ظهرت على أيدي الأنبياء $ صدرت عن اللّه تعالى، بل يجوز فيها أنهم أتوا من طريق السحر، وحينئذ يبطل القول بالنبوّات من كل الوجوه.

  وثالثها: أنا لو جوزنا أن يكون في الناس من يقدر على خلق الجسم، والحياة، والألوان، لقدر ذلك الإنسان على تحصيل الأموال العظيمة من غير تعب، لكنا نرى من يدعي السحر متوصلا إلى اكتساب الحقير من المال بجهد جهيد فعلمنا كذبه، وبهذا الطريق نعلم فساد ما يدعيه قوم من الكيمياء، لأنا نقول لو أمكنهم ببعض الأدوية أن يقلبوا غير الذهب ذهبا لكان إما أن يمكنهم ذلك بالقليل من الأموال، فكان ينبغي أن يغنوا أنفسهم بذلك عن المشقة والذلة، أو لا يمكنهم إلا بالآلات العظام والأموال الخطيرة، فكان يجب أن يظهروا ذلك للملوك المتمكنين من ذلك بل كان يجب أن يفطن الملوك لذلك لأنه أنفع لهم من فتح البلاد الذي لا يتم إلا بإخراج الأموال والكنوز، وفي علمنا بانصراف النفوس والهمم عن ذلك دلالة على فساد هذا القول، قال القاضي: فثبت بهذه