البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

في تعريف البلاغة

صفحة 14 - الجزء 1

  أبداً ليس هذا بصحيح، إنا نستطيع أن ندعو تلك التصرفات «تكيُّفاً» مع الموقف، أو «تلاؤماً» مع الظرف ونستطيع أن نطلق عليها أي اسم، أو أي صفة، ولكن لا يمكننا أن نسميها «بلاغة».

  والإيجاز كذلك. إنه ما دام ينسرب في الكلام المحكي، أو المكتوب، فقد يكون من البلاغة حيناً، ومن غير البلاغة حيناً آخر وقد يكون الموجِزُ مصيباً في موقف وغير مصيب في موقف آخر.

  انظر إلى قوله تعالى في قصة موسى # إذ سأله: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى ١٧ قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى ١٨}⁣[طه].

  أوليس الله هو الذي خلق موسى، وخلق عصاه، ويعرف السبب الذي من أجله حمل موسى عصاه؟ إذن فلماذا كان السؤال أولاً، ولماذا كانت هذه الإجابة المسهبة المفصلة؟ ألم يكن أولى بالسائل ألا يسأل، وبالمجيب أن يختصر، ولاسيما أنه في حضرة ملك الملوك، ومن يعرف الظاهر والباطن، والسرّ وأخفى؟ ألم يكن بعيداً عن البلاغة في رأي ابن المقفع، وابن المعتز، والخليل، ومن عرف البلاغة بالإيجاز؟

  مخطئون هؤلاء القوم حين قصروا البلاغة على الإيجاز، دون قيد أو شرط، لأنهم نَسَوْا أن الإيجاز عيب حين يكون الحبيب مع الحبيب، وحين تحلو النجوى ويلذ الحديث، وتطيب المناغاة، وهل كان موسى # إلا محباً وحبيباً في آن واحد؟ وهل أحبّ إليه من هذا الموقف الرائع، يسأله حبيبه الذي فضله بالرسالة، واصطفاه واجتباه؟ ويجيبه موسى يفصل له ويشرح وموسى إن لم يسهب في مثل هذا الموقف، فأين يحسن الإسهاب ويُستحب الشرح والتفصيل؟