المبحث الثاني الإنشاء
١ - التمني
  يعرفه البلاغيون بأنه: طلب الشيء المحبوب الذي لا يُرْجَى، لاستحالة الحصول عليه، أو بعدِ مناله.
  فقول الشاعر:
  ألا ليتَ الشَّباب يعود يوماً ... فأخبره بما صنع المشيب(١)
  وقول الآخر:
  لَيتَ الكواكب تدنو لي فأنظِمَها ... عقود مدح، فما أرضى لكم كلمي
  الشاعران يطلبان مستحيلاً، إذ مهما تمنى المرء عود الشباب فإن أمنياته تبقى صرخة في واد، وحلماً لا يتحقق أبداً. وكذلك تمني الإنسان دنو كواكب السماء منه، ليقطفها ويصوغ منها عقد مدح، يزين بها عنق من يحب، تظل أضغاثَ أحلام، وحُلُمَ، شاعر، وحديث محبّ.
  أما قول أبي فراس مخاطباً سيف الدولة:
  فليتك تحلو والحياةُ مَرِيرَةٌ ... وَلِيَتَكَ تَرضَى، والأنام غضابُ
  وليت الذي بيني وبينك عامر ... وبيني وبين العالمين خراب
  إذا صَح منك الودُّ فالكل هين ... وكلُّ الذي فوق التراب تراب(٢)
  فشيء آخر، لأن تمنيه أن تحلو أخلاق سيف الدولة، ويرضى قلبه، وتمتد المودة بينهما دروباً أمور قد تتحقق، وهي ليست بالمستحيلة، ولكن الجفاء المستحكم والهجر المرير والانقطاع المستمر الذي يخيم على قلب سيف الدولة، ويتبدى في سلوكه نحو الشاعر الأسير، جعل أبا فراس يتخيل أن تلك مطالب إن كانت ممكنة التحقق في حياة بني
(١) ديوان أبي العتاهية ص ٤٦ ط. صادر. وقد ورد البيت في الديوان: «فيا ليت الشباب ...».
(٢) ديوان أبي فراس ص ٢٧ ط. صادر. وهي من رومياته. وتروى هذه الأبيات - كذلك - على لسان رابعة العدوية.