البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

مدرسة اللفظ

صفحة 15 - الجزء 1

  عبثاً إذاً أن نقول السكوت بلاغة والاستماع بلاغة، والإيجاز بلاغة، وأمثال هذه الأقوال، لأن للظروف أحكامها، وللمواقف متطلباتها. والبلاغة، الحق، إضافة إلى كونها الكلام المكتوب، أو المسموع، هي التي تقدّر الظروف والمواقف، وتعطي كل ذي حق حقه، سواء أكانت شعراً أم نثراً مقالاً أم قصة مسرحية أم حكاية، مديحاً أم هجاء، غزلاً أم استعطافاً.

  ***

البلاغة بين اللفظ والمعنى

  وما دامت البلاغة مقصورة على الحديث المكتوب أو المسموع، فأين تكون من هذا الحديث، أتقع في ألفاظه أم في معانيه؟

  لقد اختلف العلماء قديماً وحديثاً في موقعها، وانقسموا شيعاً وأحزاباً، فمنهم من انحاز إلى جانب اللفظ، ومنه من انحاز إلى جانب المعنى، ومنهم من رأى بينهما صلة لا يمكن فصلها.

  ***

مدرسة اللفظ

  ويبدو أن مطلع العصر العباسي، وما رافقه من أفكار واتجاهات أول من مال إلى جانب ترجيح جانب الألفاظ والعناية بالشكل والمظهر ومدرسة مُسلم بن الوليد⁣(⁣١) خير شاهد.

  ثم جاء الجاحظ⁣(⁣٢)، وقال كلمته المشهورة: «المعاني مطروحة في


(١) انظر ترجمة مسلم في كتاب الأغاني، والملحقة بديوانه «طبع دار المعارف» ص ٣٦٤؛ والأعلام ٨/ ١٢١.

(٢) الحيوان ٣/ ١٣١.