التورية
  المؤلّفين جعل الإلغاز والأحجية فرعاً منه(١).
شواهد من قصص التورية
  ونضرب مثالاً على التَّورية ما ورد في السيرة النَّبويَّة حيث رُوي أن رسول الله ﷺ كان سائراً بأصحابه يريد بذراً، وكان يحرص على ألا يشيع خبر سيره، ولا مكانه، خشية أن تعلم قريش بذلك، فتستعد للحرب، أو خشية أن يعلم أبو سفيان وهو قائد الحملة التجارية القادمة من الشام إلى مكة بالخبر، فيهرب إلى غير طريق. فلقيهم أعرابي فسأل: مِمَّن القوم؟ فأجاب ﷺ مُورياً وصادقاً: «نحن من ماء». فأخذ الرَّجل يفكر ويقول: من ماء، من ماء. ويردّد الكلمة ليتذكر أيّ قبائل العرب يقال له: ماء. وكان النّبي ﷺ أراد أن يقول: «إنا مخلوقون من ماء»، أخذاً من الآية القرآنية الكريمة {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}[الأنبياء: ٣٠].
  وفي خبر ثان من السَّيرة العطرة أنَّ رجلاً لقي النبي ﷺ وأبا بكر الصدَّيق ¥ وهما في طريقهما مهاجرين من مكة إلى المدينة، وعرف الرجل أبا بكر ولم يعرف رسول الله ﷺ. فسأل أبا بكر من هذا؟ فأجاب الصديق مورياً وصادقاً: «هاد يهديني السبيل». وفهم الرّجل أنَّ هذا دليل يدلّ أبا بكر في الصحراء على قصده المنشود، بينما قصد الصديق ¥ بكلمة «هاد» الذي يهديني إلى النور والإيمان ويدلني على السبيل القويم في العقيدة والسلوك.
  ويروي الوطواط في كتابه «حدائق السحر»(٢) حكاية عن أبي علي بن سينا أنّه جلس يوما في السوق، فاجتاز به قروي، يحمل على كتفه حملا ليبيعه، فسأله أبو عليّ: بكم هذا الحمل.؟ فقال القروي: بدينار. فقال ابو علي: اترك الحمل هنا واحضرُ بعد قليل لأعطيك ثمنه. وكاد القروي يُنزل الحمل عن كتفه، ولكنَّه علم أنَّه يحادث أبا علي بن سينا، فالتفت إليه وقال:
(١) الطراز ٦٥/ ٣.
(٢) ص ١٣٦.