البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

المبالغة

صفحة 40 - الجزء 3

  فهو الذي قال: «لا تُطروني كما أطرت النصارى المسيح، فإنما أنا عبد، ولكن قولوا: عبد الله ورسوله⁣(⁣١)» وذلك أنهم مدحوه بما ليس فيه، وبالغوا حتى أخرجوه من مقام العبدية الله، فأنكر ذلك، وبين لهم ما يجب أن يكون.

المبالغة وأسماء الله الحسنى

  والأمر الثاني في أن أسماء الله الحسنى، في ظاهرها ما يشير إلى المبالغة كالقهار والجبار، والوَهَّاب، والغفور، والرحمن، والرحيم، والقدوس، والقيوم، وسواها من الأسماء. هي صفات للذات الإلهية على الحقيقة، وليست للمبالغة رغم ما يشير إليه ظاهرها اللفظي، إذ ليس ما يقال وينطبق على البشر والعباد بجائز أن يُقال عن خالقهم ، وعزّ شأنه.

أسماء المبالغة في علم الصرف

  الأمر الثالث: إن في علم الصرف بحثاً في صيغ مبالغة اسم الفاعل ك: «فعال مثل حمال» أو «مِفْعال مثل مِطْعَان»، أو «فعول مثل صبور»، أو «فاعُول مثل فاروق»، أو (فيعول مثل حيسوب)، أو «فعلة مثل هُمَزَة»، أو (فعالة مثل علامة)، أو «فعيل مثل سكير»، أو «مِفْعيل مثل معطير»، أو (فعول مثل قدوس) وغير ذلك. إنَّما تفيد معنى المبالغة، وصياغتها كذلك دلت على الزيادة.

  والفرق بين المبالغة في علم البلاغة وصيغ المبالغة في علم الصرف أنَّ المبالغة البلاغية تستفيد من المبالغة الصرفية، وتستوعبها، وتضيف إليها أساليب أخرى كثيرة تفيد الزيادة والتكثير، بينما ليس المبالغة الصرف هذه الآفاق الممتدة الرحيبة.

هل المبالغة تحسين معنوي بديعي؟

  وأخيراً، فإذا كان عدد من العلماء أدرج بحث «المبالغة» في علم البديع، ثم جعله فرعاً من فروع «التحسين المعنوي» للكلام، فإنا نرى أن


(١) صحيح البخاري: الباب الثامن والأربعون من كتاب الأنبياء، ومسند أحمد ٢٣/ ١، ٢٤، ٤٧، ٥٥، ٦٠.