أقسام المجاز
بين الاستعارة والتشبيه
  لقد رأينا من قبل أن التشبيه البليغ أعلى مراتب التشبيه، وضربنا مثلاً على ذلك قول الشاعر (أنا من أهوى، ومن أهوى أنا)، وقلنا: إن الشاعر سَمَا إلى مرتبة رفيعة من البيان حين مزج (الأنا) بـ (من أهوى) ووحَّد بين الطرفين ... وفي ذلك كان الإبداع.
  ونقول الآن:
  إذا كان التشبيه البليغ يمٌثل درجة رفيعة وعالية من فن القول فإن الاستعارة أعلى وأرفع من ذلك بكثير.
  في التشبيه البليغ شفافية لطيفة تنمُّ عن المشبَّه والمشبَّه به، أو شعور ضمني بوجود عنصرين اثنين، يمثّل أحدهما المشبه، ويمثل ثانيها المشبه به.
  أما الاستعارة فهي عالمٌ آخر، يسمو على التشبيه البليغ بدرجات.
  في الاستعارة نتناسى التشبيه، نتناسى أن هناك مشبهاً ومشبهاً به، ولا نرى إلا عنصراً واحداً هو في وقت واحد المشبه والمشبه به ... (الأنا) تصبح (الأنت) أو ضمير المتكلم يغدو في الوقت ذاته ضمير المخاطب؛ فلا تستطيع التمييز بين هذا وذاك، ولا تستطيع التفريق بين عنصرين امتزجا إلى درجة الاتحاد. تقول: يا أنا .... وأنت تقصد يا أنت ... وتقول: يا أنت ... وتقصد يا أنا ... وهل بعد هذا يمكن أن يدخل محلل يبتعي تفريق عناصر اتحدت؟