البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

البديعيات

صفحة 24 - الجزء 3

  ليشرحوها ويقدموها إلى الناس، والبديعية في أصلها وصميمها قصيدة في مدح الرسول الكريم ، فشرحوا كل ما في البديعية من أمور بلاغية وأدبية ونحوية وصرفية وتاريخية وسواها إلا مدح الرسول، عليه الصلاة والسلام، والحديث في سيرته العطرة ... وتقرأ الشروح الكبيرة المستفيضة كخزانة الأدب أو أنوار الربيع فتجد كل شيء إلا سيرة المصطفى . وهذا ما نسجله على الشراح من تقصير، وما نقدمه من عتاب.

أثر البديعيات في البلاغة

  لين كان إكثار الشعراء، منذ مطلع العصر العباسي، من المحسنات البديعية قد أثار ضجة على فاعليها إلى مرحلة انقسم فيها الناس إلى رافض مستقبح، ومؤيد مستملح، مما حمل بعض الأدباء، كابن المعتز، على التأليف في ذلك، ومحاولة الاحتجاج له من القرآن الكريم، والحديث الشريف، وشعر القدماء.

  ولئن استمر التأليف في البلاغة العربية منذ ذلك الوقت، وحتى زمن الصفي الحلي. إنَّ ذلك كله لم يجعل من البلاغة فنا يُقبل الناس عليه كل الإقبال، بل بقيت البلاغة تتربع في برجها يقترب الناس منها تارة، ويبتعدون أخرى. لقد كانت قواعد البلاغة بمنأى عن قلوب الناس، وإن لم تكن بعيدة عن علومهم ودراساتهم، وكان شأنها في ذلك شأن النحو وقواعده، إنَّهم يدرسونه ويتعلمونه، لكنه يبقى بعيداً عن هوى النفوس، وشغاف القلوب⁣(⁣١).

  ويبدو لنا أن الفتح الجديد للبلاغة بعامة، وللبديع بخاصة، كان يوم نظم البوصيري بردته، ويوم طارت كالشعاع والضياء والشذى في الآفاق، يوم أحبها الناس جميعاً، وحفظوها، ورددوها، وغنوها، وكتبوها على صفحات قلوبهم ومحاجر عيونهم. ويوم أن نظم الحلي معارضته للبردة، وعطرها بمديح سيد الكائنات، ونهج فيها الدرب الذي سار البوصيري عليه


(١) انظر البديعيات في الأدب العربي ص ٢٥١ - ٣١.