البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

المبحث الثاني الإنشاء

صفحة 104 - الجزء 1

  لا يدخل في باب النهي بمعناه الأصيل ولا في باب الدعاء، لأن الفتاة الحبيبة ليست أعلى منه ولا أكبر، وإنما هي حبيبة قبل كل شيء، لها ما له، وعليها ما عليه، ولو لم تكن كذلك لم يُحبَّها، ولم يمحضها خالص هواه إذاً فحديثه التماس في حقيقته وغايته.

  ومثله خطاب ابن زيدون لولادة:

  لا تحسبوا نأيَكُم عنا يُغَيّرنا ... إن طالما غَيَّر النَّأْي المحبينا⁣(⁣١)

(٣) الإرشاد

  وهو طلب جاء على صورة النهي ظاهراً، وحمل معنى النصيحة والإرشاد باطناً. مثله قول المعري:

  ولا تجلس إلى أهل الدنايا ... فإن خلائق السفهاء تعدي

  فهل تظن أن الشاعر ينهى على سبيل الاستعلاء والإلزام؟ أو أنه يعلم صاحبه حكمة خالدة، ويرشده إلى سلوك مستقيم؟ أوليس قصد الشاعر رفع مستوى صاحبه بين الناس؟ أوليست مجالسة الأدنياء والأسافل ومخالطتهم ومصاحبتهم تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في سلوك من يخالطونهم ويصاحبونهم؟ إذا فالعاقل من نأى عن هذه البؤرة الفاسدة، وحفظ نفسه وقلبه وعينه وسمعه من أدرانها.

  ومثله قول شوقي يخاطب العقلاء:

  لا تسمعوا للمرجفين وجهلهم ... فمصيبة الإسلام من جهاله⁣(⁣٢)

  إنه لا ينهى مستعلياً ولا، ملزماً ولكنه يرشد العقلاء إلى حقيقة،


(١) ديوان ابن زيدون ص ١٦٧.

(٢) الشوقيات ٧٠/ ١ قصيدة «عيد الدهر وليلة القدر».