السجع: بين التحريم والتحليل
  وتورد المعاجم وكتب البلاغة الحديث النبوي الذي جاء في سنن أبي داود(١) أنَّ رسول الله ﷺ قضى في جنين امرأة ضربتها أخرى، فسقط ميتاً بغرة(٢) على جماعة الضاربة. فقال رجل منهم كيف ندي(٣) من لا شرب ولا أكل، ولا صاح فاستهل، ومثل دمه يُطل(٤)؟ قال ﷺ إياكم وسجع الكهان، وفي رواية أنه قال: أسجع كسجع الجاهلية وكهَانَتِها(٥)؟
السَّجع: بين التحريم والتحليل
  ويُخيل إلينا أن كثيراً من علماء البلاغة - وهم جميعاً من التقى بمكان - توقفوا حين رأوا هذا الحديث الشريف عن وصف كلام الله تعالى، ولا سيما السور المكية بالسجع، وأحلوا مكان هذه الكلمة لفظة «الفاصلة»، أخذا من الآية الكريمة {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ}[فصلت: ٣]. وقالوا: إن الله ﷻ وصف آيات كتابه بـ «فصلت» ولم يقل «سُجَعَت»، وأنه تأدبا مع الله تعالى وتقديراً وتعظيماً لرسول الله ﷺ يلزم ألا تطلق على ما في القرآن الكريم صفة «السجع»، وإنما نقول: «الفواصل القرآنية»، وأكد كثيرون منهم أنه «لا يجوز لنا أن نتجاوز ذلك»(٦). وأضاف آخرون: إنَّ أصل «السجع» من «سجع الطير» والقرآن يشرف أن يُستعار له لفظ هو في الأصل لطائر، ولشرفه على الكلمات الحادثة يُراعى فيه الأدب، فلا يُطلق عليه ما يُطلق عليها، وهو «السجع».
  لكنّ علماء آخرين فهموا من ذلك الحديث النّبوي أن رسول الله ﷺ ما أنكر السجع عامة. وإنَّما أنكر سجعاً معيناً كان الكهان في
(١) الباب التاسع عشر من كتاب الدَّيات.
(٢) بغرة أي بعتق عبد أو امة.
(٣) تدري: من ودي اي دفع الدية.
(٤) يطل من طل دمه اي اهدره.
(٥) انظر الصحاح، ولسان العرب مادة «سجع» وخزانة الأدب ص ٤٢٣ وعقود الجمان ٢/ ١٧٨، والطراز ٣/ ٢٠، ونهاية الإيجاز ص ١٤٢.
(٦) انظر خزانة الأدب وعقود الجمان في نفس الصفحات المشار إليها سابقا.