البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

المبحث الثامن الإيجاز والإطناب والمساواة

صفحة 184 - الجزء 1

  فلو قال قائل: «إن أبرز صفاتِ عنترة أنه شجاع وجريء ومقدام، لا يخاف ولا يهاب ولا يرتعد أمام العدو، ولا يعتريه رهبة أو وَجَل أو فزع». فهذه العبارات كلها تدور حول صفة واحدة تفهم من الأولى ولا يزيد سائر الكلام عليها شيئاً؛ بعكس ما لو قال قائل: الأدب أدبان: أدب النفس، وأدب الدرس فإن التفصيل في هذا المقام يفيد الإيضاح، ويقضي على الغموض⁣(⁣١).

  والإطناب كما أوضح البلاغيون يأتي في الكلام على أنواع مختلفة، لأغراض بلاغية، أهمها:

أ - الإيضاح بعد الإبهام

  وهذا النوع من الإطناب يُظهر المعنى في صورتين مختلفتين: إحداهما مجملة مبهمة، والأخرى مفصَّلة موضّحة. وهذا من شأنه أن يزيد المعنى تمكناً من النفس. فإن المعنى إذا ألقي على سبيل الإجمال والإبهام تشوقت نفس السامع إلى معرفته على سبيل التفصيل والإيضاح، فتتوجه إلى ما يَرِدُ بعد ذلك. فإذا أُلقي كذلك تمكّن فيها فضلَ تمكن، وكان شعورها به أتم، ولذتها بالعلم به أكمل.

  مثل ذلك قوله تعالى في قصة آدم {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى ١٢٠}⁣[طه] فقوله تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ}⁣[طه: ١٢٠] كلام مجمل مبهم، ثم جاء التفصيل والتوضيح بالكلام الذي جاء بعده.

  ومن الإيضاح بعد الإبهام لون دعاه البلاغيون «بالتوشيح».


(١) المفيد في البلاغة ص ١١١.