البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

أقسام المجاز

صفحة 104 - الجزء 2

  يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ٢٧}⁣[نوح].

  نحن نعلم أن المولود حين يولد يكون على الفطرة، فلا هو كافر، ولا هو فاجر، ولكن المحيط هو الذي يجرٌه نحو الإيمان أو الكفر، أو نحو اليمين أو الشمال، أو نحو الخير أو الشر ... إلى جانب عواملَ أخرى كثيرة يعرفها علماء النفس والاجتماع.

  ونتساءل: كيف ساغ لنوح أن يصف مواليد قومه بالكفر والفجور، وهو لم يرهٌم بعد، ولم ير خيرهم أو شَرَّهُم؟.

  وجواباً عن ذلك نقول:

  إن الأجيال المتعاقبة التي مَرَّت أمام ناظريه، جعلته يحكُمُ على الخلف بمثل ما حكم على السَّلف، وأن هؤلاء الأطفال سيكونون صورة للرجال، وأن المحيط كلَّه كافرٌ فاجر ... لذلك فهؤلاء المواليد سيكونون في مستقبل أيامهم كُفَّاراً فجاراً كآبائهم وأجدادهم.

  إذن، فكلمتا (فاجراً وكَفَّاراً) لفظان مجازيان، لا يُقصد بها إلا ما سيكون منها في المستقبل. والعلاقة بين المعنى الحقيقي والمجازي علاقة مستقبلية، أو كما دعاها البلاغيون (اعتبار ما يكون).

  وهذا اللون مجاز مرسل، لم يقم على أساس المشابهة، وإنما على أساس العلاقة.

  مثال آخر

  قال تعالى على لسان أحد أصحاب يوسف في السّجن، وقد حلُم حُلُماً: