البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

أقسام المجاز

صفحة 115 - الجزء 2

  التشبيه البليغ مصعد يُعلى به إلى الدَّور الخامس أو العاشر أو المائة في بناء شامخ ... أما الاستعارة فصاروخ يخترق في لحظات أدوار أعلى عمارة، وينطلق في أجواء الفضاء، حيث يصل إلى الكواكب العُلَى، دون أن تحده حدود، أو توقفه حواجز، أو تعترضه عقبات.

  ولنضرب على ذلك مثالين لتشبيه واحد

  ١ - هو البحر من أي النواحي أَتَبْتَهُ ... فَلُجَّتُهُ المعروف، والُجودُ ساحله

  ٢ - وأقبل يمشي في البساطِ فمادَرَى ... إلى البحر يسعى، أم إلى البدر يرتقي

  الشاعر الأول شبه ممدوحه بالبحر، وكذلك فعل الثاني. والفرق بين الشاعرين أن الأول جاء بأسلوب التشبيه البليغ، بينما الثاني جاء بأسلوب الاستعارة.

  الفرق بين الأسلوبين أن الشاعر الأول رفع من مقام صاحبه إلى مرتبة عالية فقال: هو البحر وأوحى لنا بشعور أو بغير شعور أن الممدوح شيءٌ والبحر شيء آخر ... إنها عالمان منفصلان مستقلان، وإن حاول أن يزيل الحاجز الفاصل بينها بنزع أداة التشبيه ووجه الشبه.

  أما الشاعر الثاني فقد نسي، أو تناسى أن هناك رجلاً كريماً، وأبقى في الصورة عنصراً واحداً هو البحر، موحياً أن حديثه عن البحر ليس إلا وما البحر الذي كان يقصده إلا رجلاً من لحم ودم، يُسار إليه على بساط من سندس، وتقدمَّ إليه آيات التحية والاحترام، وترفع إليه الشكاوى، أو تُمدّ إليه الأيدي راغبة في أعطيات.

  الشاعر الأول ركب مصعد التشبيه البليغ، فارتفع قليلاً بممدوحه الكريم، أما الشاعر الثاني فامتطى صاروخ الاستعارة وحلق بسيده الجواد ...