البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

فن الكناية

صفحة 160 - الجزء 2

  تراباً، أو أنهم كانوا في المساء سادة أعزاءَ، ثم صاروا في الصباح بعد الإيقاع بهم فقراءَ أذلاءَ أو قتلى ...

  فالتعبير بـ (بسطهم حرير) و (بسطهم تراب) كنايتان عن صفتي الغنى والفقر كما يجوز في الوقت نفسه إرادة المعنى الأصلي لبسط الحرير وبسط التراب.

  ومثل ذلك قول الخنساء في أخيها صخر

  طويل النَّجاد، رفيعُ العماد ... كثير الرَّماد إذا ماشتَا

  فالخنساء تصف أخاها بثلاث صفات:

  طويل النجاد، ورفيع العماد، وكثير الرماد فطول النجاد - وهي حمائل السيف - يستلزم طول القامة. فأخوها طويل، وتلك هي الصفة الأولى. ورفعة العماد تستلزم الشهرة والحسب والزعامة؛ لأن بيت الزعماء يدخله أناس راكبون وراجلون، فيستلزم أن يكون بابهم عالياً، ومن ثمَّ فأصحابه متصفون بصفة الزعامة. وكثرة الرماد⁣(⁣١) تستلزم كثرة الطبخ، وكثرة الطبخ تستلزم كثرة الأكلين، وكثرة الأكلين تستلزم كثرة الضيوف، وكثرة الضيوف تستلزم الكرم. فصخر إذن رجل كريم إضافة إلى زعامته وطول قوامه⁣(⁣٢)

  ومعيار كناية الصفة أن يُذكر الموصوف وتذكر النسبة إليه، ولا تذكر الصفة المرادة، وإنما مكانها صفة أخرى تستلزمها


(١) لم يكن في زمن الخنساء (غاز) يقوم مقام الحطب والفحم، ولا مواقد كهربائية.

(٢) يسمي البلاعيون هذه الكتابة البعيدة بالتلويح ويعرفونها بأنها التي يكون الانتقال فيها إلى المطلوب بواسطة، أو بوسائط.