قصائد من قصيد
  وهذا ابن معتوق ينظم مدحة على صورة النوع الثاني فيقول فيها(١)
  فخر الورى ... حيدري عم نائله ... فجر الهدى ... ذو المعالي الباهرات علي
  نجم السهى ... فلكيات مراتيه ... بادي السنا ... نير يزهو على زحل
  ليث الشرى ... قبس تهمي أنامله ... غيث الندى ... مورد أشهى من العسل
  بدر اليها ... أفق تبدو كواكبه ... شمس الدنا ... صبح ليل الحادث الجلل
  سامي الذرى ... صامد تخشى نوازله ... حتف العدا ... ضارب الهامات والقلل
  طود النهى ... عند بيت المال صاحبه ... سمط الثنا ... زينة الأجياد والدول
  الطريف في هذه القصائد أنها تؤلّف وهي تامة لوناً من النظم، وإذا حذف منها جزء صارت قصيدة جديدة، وإذا حذف جزءان صارت قصيدة أخرى. وهكذا يتولد من القصيدة الواحدة قصائد عدة.
  أكثر من هذا، فإنا نستطيع ان نبدل اجزاءها تقديما وتأخيرا، فيحصل عندنا من القصيدة الواحدة مئات القصائد. وإليك نموذجا ممَّا نقول
  نظم الوزير لسان الدين محمد بن عبد الله السليماني الأندلسي قصيدة مكونة من اثني عشر بيتاً. وبطريقة التقديم والتأخير يمكن ان تقرأ على ٤٦٠ وجها، والقصيدة هي:
  داء ثوى ... بفؤادي شفه السقم ... بمهجتي ... من دواعي الهم والكمد
  بأضلعي ... لهب تذكر شرارته ... من الضنى ... في محل الروح من جسدي
  يوم النَّوى ... حَلَّ في قلبي له ألم ... وحرقتي ... وبلائي فيه بالرصد
  توجعي ... من جوى شبت حرارته ... مع العنا ... قد رثى لي فيه ذو الحسد
  جل الهوى ... ملبسي وجداً به عدم ... لمحتني ... من رشا بالحسن منفرد
  تتبعي ... وجه من تزهو نضارته ... إذا انثنى ... قاتلي عمداً بلا قود
  مصلي لجوى ... مولع بالهجر منتقم ... ما حيلتي ... قد كوى قلبي مع الكبد
  بمصرعي ... معتد تحلو مرارته ... يا قومنا ... أخذاً نحو الردى بيدي
  هد القوى ... حسنه كالبدر مبتسم ... لفتني ... موهن عند النوى جلدي
  مروعي ... قمر تسبي إشارته ... إذا رنا ... ساطع الأنوار في البلد
(١) توفي سنة ١٠٨٧ هـ / ١٦٧٦ م. وله ديوان شعر مطبوع في دار صادر في بيروت.