البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

المبحث الثاني الإنشاء

صفحة 97 - الجزء 1

  الْأَبْرَارِ ١٩٣}⁣[آل عمران]، فإنه لا يأمر ربه أن يغفر له، ويكفّر عنه سيئاته، ويتوفاه الأبرار وليس من المعقول أن يكون هذا طلباً على وجه الاستعلاء والإلزام، ولكنه طلب فيه ضراعة وخوف وفيه تذلل واستعطاف، وفيه انقلب معنى الأمر إلى معنى الدعاء.

(٢) الالتماس

  وهو طلب الندّ من النِّد، والصديق من الصديق. وفي هذا الطلب لا يكون الأمر أمراً بمعناه الأصيل، وإنما ينقلب الأمر الظاهري إلى التماس رقيق. مثله قول الشاعر عمر بن أبي ربيعة:

  يا خليلي قربالي ركابي ... واسترا ذاكما غداً عن صحابي

  واقرأا مني السلام على الرسم ... الذي من منى بجنب الحصاب

  واعلما أنني أصبت بداء ... داخل في الضلوع دون الحجاب⁣(⁣١)

(٣) الإرشاد

  وهو طلب خلا من كل تكليف وإلزام، يحمل بين طياته معنى النصيحة والإرشاد؛ كقول والد لولده: يا بني! استعذ بالله من شِرارِ الناس، وكن من خيارهم على حَذَر.

  فالوالد لا يأمر ولده ولا يستعلي عليه، ولا يلزمه أو يرهقه، وإنما يقدم له في أسلوب معيَّن خلاصة تجربة إنسانية عاشها، واكتوى بلظاها، وأراد من ولده أن يستعيذ بالله من أشرار البشر ومكائدهم ودسائسهم وحقاراتهم، وأن يحذر في الوقت ذاته من أخيار الناس وسلجهم، إذ ربما أوقعه الساذج في ورطة لا أول لها ولا آخر، بلاهةً وضيق تفكير.


(١) ديوان عمر بن أبي ربيعة ص ٤١٣.