زبر من الفوائد القرآنية ونوادر من الفرائد والفرائد القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

[فوائد من سورة الحج]

صفحة 151 - الجزء 1

  شدائد الجزع والفزع والقلق والضيقة و ... إلخ! فإنه لا حل إلا هذا الحل.

  نعم، وجاء هذا الحل كما قدمنا على طريقة التنديد والتوبيخ، وذلك أنه كان قد استقر في قرارة قلوبهم وجزموا وقطعوا ألا فرج لهم ولا مخرج مما هم فيه من الشدة إلا الموت. والله أعلم، والحمد لله رب العالمين.

  · قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ ...}⁣[الحج: ١٨]:

  سجود الناس واضح، أما سجود الشمس والقمر والنجوم والجبال وأشباهها من المخلوقات التي لا عقول لها فمعناه - كما يظهر لي -: هو الانقياد والخضوع، وبعبارة أخرى: هو الانفعال لما يريد الله منها، فإن الله تعالى حين أراد جري الشمس والقمر في الفلك جرتا كما يريد وعلى حسب ما يريد، والأشجار والزروع تنبت كما يريد خالقها، وتخرج ثمراتها كما يريد خالقها، وهكذا سائر المخلوقات كل مخلوق منها يكون في خلقه على حسب إرادة الله وحكمته من غير زيادة ولا نقصان.

  فهذا هو سجود ما لا يعقل كما يظهر لي، وهو سجود مجازي علاقته التشبيه بالسجود الحقيقي، وجاء في أول الآية بهمزة الاستفهام التقريري التي تدل على أن سجود تلك المذكورات في الآية أمر واضح مكشوف لرؤية العين، وأن رؤيتها لذلك مستمرة متجددة في حال الخطاب وبعده، وذلك حيث عبر بالفعل المضارع: «يسجد»، والذي يراه الناظرون ويعرفونه ويقرون به هو ما ذكرنا من أمر المخلوقات، لا السجود الحقيقي.

  وإنما قال تعالى: {وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} لأن الانقياد لما يريده الله تعالى من الناس لم يحصل إلا من بعضهم، أما البعض الآخر فلم يحصل منهم ما أراده الله تعالى من الانقياد لإرادته، فإنه تعالى ما خلق الجن والإنس إلا ليعبدوه، فلم يعبده إلا بعضهم، وحق العذاب على من لم يطعه، ولم ينقد لإرادته.