زبر من الفوائد القرآنية ونوادر من الفرائد والفرائد القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

مثال توضيحي للحكمة

صفحة 201 - الجزء 1

  العبيد إذا لم يفرق بين محسنهم ومسيئهم، ومطيعهم وعاصيهم، وشاكرهم وكافرهم و ... إلخ، وهكذا يستنكرون على الملك في مثل ذلك.

  إذا عرفت ذلك فإن الله تعالى حين أمات الظالم والمظلوم والشاكر والكافر، والمصلح والمفسد، و ... إلخ، ولم يعاملهم بحسب أعمالهم، ولم يميز بينهم، بل إنه تعالى يمدهم بالإحسان، ويواصل عليهم الإنعام، عرفنا حينئذ على حسب مقتضى الحكمة أنه لا بد بعد الموت من حياة تستكمل فيها الحكمة مشوارها، وتبلغ فيها نهايتها.

  وقد أدرك هذه الحقيقة رجال في الجاهلية فقالوا: لا بد من دار بعد هذه الدار ينتصف فيها للمظلوم من الظالم، وينال فيها الظالم جزاءه و ... إلخ؛ منهم: الزبير بن عبدالمطلب، وقس بن ساعدة.

  - لولا أن هناك حياة أخرى بعد الموت يجازى فيها المحسن والمسيء لقبح من الحكيم العليم أن يمد عبيده بأسباب القوة والتمكين، ثم يخلي بينهم فيتظالموا بسبب ذلك، ولا يمنعهم ولا يقطع عنهم المدد، وقد ذكر الله تعالى الحكمة في خلق السماوات والأرض فقال: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ٢٧ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ٢٨}⁣[ص].

  وقال سبحانه: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ٣٨ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ ٣٩}⁣[النحل].

  وقال: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى ٣١}⁣[النجم].

  وفي القرآن الكثير من مثل ذلك، إلا أن في إدراك هذه الحقيقة ومعرفة الحكمة كما ينبغي نوع خفاء، لا يدركها إلا بعض العقلاء، وإن أدركوها فقد لا يوقنون بها بل يجوزونها، لذلك لم يكل الله تعالى في معرفتها المكلفين إلى مجرد