[فتح مكة وفوائده]
  ووجه الخطاب إلى النبي ÷ لئلا يداخلهم العجب في إيمانهم وأعمالهم الصالحة، فإنهم إذا سمعوا كلام الله في نسبته الذنب إلى النبي ÷ فسيقولون فكيف بنا نحن فيستشعرون كثرة الذنوب.
  - وإنما كان الفتح سبباً لمغفرة الذنوب لأن المسلمون فتحوا مكة بقيادة نبيهم ÷، وقهروا أهلها وانتصروا عليهم، وأدخلوهم في الإسلام بقوة شوكتهم، وقد كان أهل مكة أعظم وأقوى أعداء النبي ÷ والمسلمين في الإسلام، ولم يلق النبي ÷ وأصحابه من غيرهم مثل ما لقي منهم، وقد كانوا هم أصحاب بدر وأحد والخندق والحديبية، فيعتبر فتح مكة أكبر انتصار أحرزه المسلمون في تأريخ جهادهم مع النبي ÷.
  - وقد كان فتح مكة سبباً أيضاً في دخول العرب في دين الله أفواجاً، فبهذا يحصل النبي ÷ والمسلمون على ثواب أكبر هزيمة للشرك، وثواب إدخال قريش في الإسلام، وثواب ما نتج عن ذلك من دخول العرب في دين الله أفواجاً، فيحصل لهم من الثواب والأجر ما لا يكاد يحصى، وينتج عن ذلك محو السيئات: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}[هود: ١١٤].
  - أما مغفرة ما تأخر من ذنوبهم فلأن ما يعطيهم الله تعالى من ثواب الفتح وثواب دخول الناس في دين الله أفواجاً يكون سبباً في توفيق الله لهم وتسديده وزيادة هداه لهم وتنويره لقلوبهم: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}[إبراهيم: ٢٧]، {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ٢}[الطلاق].
  - وهذا التفسير هو على خلاف ظاهر الآية، ولكنا عدلنا عن الظاهر لأنه ليس لرسول الله ÷ ذنب متقدم غير مغفور، ولا يتوقع منه بعد الفتح ذنب لعصمته ÷ عن اقتراف الذنوب.
  - وقد فسرت الآية بأن المراد مغفرة الذنوب التي اكتسبتها قريش في عداوتها للنبي ÷ فإنها بعداوتها للنبي ÷ وحربها له اكتسبت ذنوباً كبيرة فلما فتحت مكة ودخلت قريش في الإسلام غفر الله ذنوبها المتقدمة والمتأخرة: