[بحث قويم في قصة بلقيس ملكة سبأ]
  ٥ - بعد ذلك أخبرتهم بما تحاذر من عواقب الأمور فقالت ما حكاه الله عنها من القول الحكيم: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً}[النمل: ٣٤].
  ٦ - ثم أدلت إليهم برأيها في الأمر فقالت ما حكاه القرآن: {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ٣٥}[النمل]، وإذا نظرنا إلى هذا الرأي فإنا نراه أحسن رأي في تلك القضية، فإنها عرفت حين رجع الرسل إليها من عند سليمان # ما سوف تؤول إليه الأمور.
  ٧ - بادرت بعد ذلك إلى السفر مع وجهاء قومها إلى نبي الله سليمان تبذل له السمع والطاعة، وحقاً لقد أصابت بذلك محز الصواب، ولم ترد أن تعرض قومها للمواجهة والقتال مع سليمان؛ لما في ذلك من هلاك الحرث والنسل.
  ٨ - وكان سليمان # قد أمر بإحضار عرشها من اليمن إلى الشام، فلما وصلت بلقيس إلى سليمان # عرض عليها عرشها، وقال لها: {أَهَكَذَا عَرْشُكِ}[النمل: ٤٢]؟
  فعل سليمان # ذلك ليختبر عقلها: {قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ٤١}[النمل].
  فكان جوابها على سؤال سليمان # أن قالت: {كَأَنَّهُ هُوَ}[النمل: ٤٢]، فأجابت بجواب يدل على عقل ذكي وفطنة عالية.
  بيان ذلك:
  أن سليمان # أراد بسؤاله مغالطتها، فإذا كانت ناقصة الذكاء والفطنة فسيكون جوابها إما نعم وإما لا؛ لأن ذلك هو الجواب على مثل ذلك السؤال.
  فعدلت عن نعم وعن لا، وأجابت بما يدل على أنها قد عرفت أنه عرشها، وأن عند سليمان قوة إلهية، وتركت لنفسها احتياطاً فلم تقل: إنه هو، بل جاءت بما يقرب من ذلك فقالت: كأنه هو؛ فأعجب نبي الله سليمان # بفطنتها وذكائها وعلمها