[بحث قويم في قصة بلقيس ملكة سبأ]
  بحسن الجواب، فقال: {وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ٤٢}[النمل].
  ومعنى هذا الجواب والله أعلم: أن بلقيس وإن كان عندها ذكاء وفطنة وعلم وهداية إلى الصواب - فإن الله تعالى قد أعطانا العلم والهداية والفطنة والذكاء، وزيادة على ذلك وهو أن الله أعطانا الإسلام وجعلنا مسلمين، فنحن أرفع منها وأكرم.
  ٩ - ثم أراد سليمان # بعدما أراها آية من آيات الله في عرشها أن يريها آية أخرى مما آتاه الله تعالى لتعلم بلقيس أنه نبي من عند الله فقال لها: {ادْخُلِي الصَّرْحَ}، {فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ} عند ذلك استيقنت أنه نبي من عند الله، وأن الله تعالى أيده وأكرمه بما لا تقدر عليه البشر، فقالت: {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ٤٤}[النمل]، فبعقلها وفطنتها وذكائها وحسن رأيها وصواب نظرها - اعتذرت إلى الله، واعترفت بذنبها، وسألته المغفرة، ودخلت في دين الله مع نبي الله سليمان ~، ولولا ما هي عليه من العقل وحسن النظر لما وصلت إلى ذلك.
  ١٠ - قص الله تعالى قصة بلقيس في القرآن لما فيها من العبرة، حيث إنها بعقلها وفطنتها اهتدت إلى الصواب، وسلكت طرقه منذ أن أتاها كتاب سليمان # إلى أن دخلت في الإسلام، ولم تستفزها الأهواء في نظرها، ولم تعرقلها الشهوات، ولم يستخفها الجهل وذوو الجهل عن سبيل الصواب، مع أنها امرأة وعقليات النساء ناقصة وآراؤهن فاسدة، فلله درها، ولأمرٍ مّا قص الله قصتها بالتفصيل، وحكى أقوالها ومحاوراتها مع قومها ومع سليمان #، وبيمنها ويمن عقلها ورأيها دخل قومها في الإسلام.
  ١١ - لم تفشل بلقيس ولم تنهر قواها حين جاءها كتاب سليمان # مع ما اشتهر عنه من القوة والشوكة والسلطان، ولا حين جاءها تهديده ووعيده الذي لا تشك في صدقه، بل عالجت الأمر بالحكمة وحسن السياسة، حتى