زبر من الفوائد القرآنية ونوادر من الفرائد والفرائد القرآنية،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

[فوائد من سورة البقرة]

صفحة 48 - الجزء 1

  · وقال تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ٨٢ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ ...} الآية [المائدة]، وفي هذه الآية:

  أن أشد الناس عداوة للمسلمين اليهود والمشركون، وأقرب الناس مودة للمسلمين النصارى.

  فإن قيل: وصف الله تعالى النصارى بالعداوة للمسلمين في الآية الأولى، وفي هذه الآية وصفهم بأنهم أقرب أهل الكفر مودة للمسلمين؛ فكيف تفسير ذلك؟

  يقال في الجواب:

  أهل الملل المعادية للمسلمين مشتركون في العداوة للمسلمين، إلا أنهم مع هذه العداوة يتفاوتون في توقع إسلام الكثير منهم؛ فالمشركون واليهود لا يتوقع إسلام الكثير منهم، أما النصارى فيتوقع دخول كثير منهم في الإسلام، وبدخولهم في الإسلام تحل المودة للمسلمين مكان العداوة لهم.

  فهذا ما ظهر لي من تفسير الآية، والدليل على هذا التفسير: أن الله تعالى علل كونهم أقرب مودة للمؤمنين بقوله بعد ذلك: {ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا ...} إلخ، فبين تعالى أن عند النصارى أسباباً من شأنها أن تقربهم إلى الدخول في الإسلام ومودة المسلمين، وهي:

  ١ - أن فيهم (قسيسين ورهباناً) أي علماء وعباداً.

  ٢ - (أنهم لا يستكبرون) كما هو الحال في اليهود والمشركين.

  ٣ - أنهم إذا سمعوا آيات الحق تتلى تخشع قلوبهم وتدمع عيونهم، ثم يدخلون في الإسلام ومودة المسلمين.

  هذا، وكأن هذه الأوصاف الثلاثة كانت في بعض النصارى لا في جميعهم، وقد روي أنها نزلت في وفد ملك الحبشة الذين بعثهم إلى المدينة وكانوا نصارى،