[فوائد من سورة البقرة]
  وذلك أن الإنسان وإن اجتهد في التوقي من المعاصي والإتيان بالطاعات لا يقطع بأن الله تعالى قد تقبل منه ذلك وغفر له ذنوبه لعوارض وأسباب قد تحول دون القبول لا يخلو منها المؤمن وإن جاهد نفسه، {إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي}[يوسف: ٥٣].
  فهذا الذي ذكرنا طريق من طرق الخوف إلى قلب المؤمن فيزاحم الأمن والثقة.
  وهناك شيء آخر يكدر صفو الثقة عند المؤمن وهو ما ثبت لديه واستقر من أن الأعمال بخواتمها فهو يخاف لذلك سوء الخاتمة، فمن هنا ينقص الأمن في قلب المؤمن إلى الرجاء والطمع؛ لذلك وصف الله المؤمنين فقال: {وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ}[الإسراء: ٥٧].
  فبناءً على ما ذكرنا فلا ينبغي للمؤمن أن يثق تماماً ويطمئن اعتماداً على ما ذكر، مع قيام الأسباب الداعية إلى الخوف، إذ الواثق المطمئن في هذه الحال جاهل مغرور.
  والمؤمن حقاً في خوف دائم حتى يأتيه الموت فتبشره الملائكة كما قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ٣٠}[فصلت].
  · قال الله تعالى: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}[البقرة: ١٢٠]، في ذلك:
  ١ - أن عداوة اليهود والنصارى للمسلمين عداوة مستحكمة، وأنهم لن يتراجعوا عن عداوتهم للمسلمين أبداً ما داموا مسلمين.
  ٢ - أن العداوات الناتجة عن اختلاف العقائد عداوات في الدرجة الأولى لا يمحوها الزمان ولا تعاقب الأجيال.
  ٣ - أن الاتفاق في العقيدة والمبدأ أقوى الروابط الاجتماعية، وأوثق عرى المحبة.
  ٤ - يؤخذ من ذلك أيضاً أنك إذا أردت أن تكسب مودة الرجل ومحبته فأكثر من موافقته في رأيه، وتصويبه في تصرفاته في غير معصية الله.