البلاغة العربية في ثوبها الجديد،

بكري شيخ أمين (المتوفى: 1440 هـ)

المبحث الثالث المسند إليه

صفحة 127 - الجزء 1

  ولا يكون تكرار العَلَم إلا إذا حمَل في طَيّاته أثراً لأمر محبوب. هذا المحبوب قد يكون بلداً، وقد يكون ولداً، وقد يكون حبيباً، وقد يكون مالاً، أو أمراً يعلق به الفؤاد.

  إن النفس مولعة بذكر من، تهوى وما تهوى وما تكرار العاشقين أسماء محبوباتهم إلا من هذا القبيل.

  وفي الشعر العربي كثير من هذه الشواهد فهذا شاعر ارتحل عن نجد، فحنَّ إليه، فإذا هو يتغنى باسم بلده في كل بيت، وذاك رجل كتب لولده رسالة، فراح يذكر اسم الولد في كل سطر، وكل نداء، وفي مطلع كل جملة وفقرة.

  ويقرر علماء النفس، ومعهم علماء الذوق أن الإنسان مولع بتكرار ذكر من يحب. وتلك طبيعة إنسانية، لا يمكن أن يتحكم بها مخلوق.

  ٤ - للتبرك بذكره:

  والتبرك مشتق من البَرَكة، وفيه أَثَارَةٌ من عنصر ديني، ودلالة على روح من التقوى والإيمان.

  فالمؤمن الذي يسبّح ربَّه آناء الليل وأطراف النهار، إنما يفعل ذلك تعبداً، وتَبَرُّكاً، وطَلَباً للمثوبة ورضى الله. وكذلك يرجو الذين يذكرون محمداً ويُصلّون عليه، قياماً وقعوداً، صبحاً ومساءً.

  لقد كان يكفي أن يقول أحدهم: «الله ربّي ألف مرة، أو مائة ألف مرة، أو مليون مرة» ثم يسكت، دون أن يعيد الجملة بذاتها ألف مرة، أو مليون مرة.

  لكن الرغبة في التبرك والاندفاع في التعبد هو الذي يقوده إلى هذا التكرار الحبيب، والذكر الدائم.